الحرية- باسم المحمد:
في كلمته بعد تكليف الحكومة أعطى وزير الاتصالات عبد السلام هيكل، مثالاً مباشراً عن استعمال الذكاء الصناعي، واستثماره في توفير الوقت والجهد، فطلب من تطبيق “ChatGPT” اختصار خطابه إلى النصف..
تضمنت بيانات عدد من الوزراء في الحكومة الجديدة إشارات مهمة عن استثمار التحول الرقمي وتطويره في عملية بناء سوريا الجديدة، فبعد عقود من الإعلانات الشكلية من قبل النظام البائد عن نياته باعتماد الحكومة الإلكترونية والتحول الرقمي، بقيت بلدنا خارج هذا المضمار، والسبب الأهم وراء تخلف مؤسساتنا عن مواكبة جميع دول العالم التي سبقتنا بأشواط كبيرة، لم يكن افتقادنا للكوادر المؤهلة لإتمام المهام المطلوبة على أكمل وجه، بل لأن تطبيق تقنيات التحول الرقمي، كان يتطلب ممارسات الحوكمة والشفافية، وهذا ما سيحرم الفاسدين من مناجم حفروها في جسد الدولة، لسرقة المزيد من أموال الشعب واكتنازها..
الخبير الإداري والتقني والشريك المؤسس ومدير عام شركة “تكنيفيجن”- الإمارات، أمجد عبدو قاسم، أوضح في تصريح لصحيفة الحرية أن ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد، لم تكن فقط رفضاً للظلم، بل كانت صرخة من أجل بناء وطن حديث، مزدهر، متصل بالعالم، لا دولة متأخرة ومعزولة كما أرادها النظام لعقود.. واليوم، وبعد أن نال حق الكلمة الحرة، آن الأوان أن نخوض معركة أخرى لا تقل أهمية، وهي معركة بناء الدولة الحديثة، القادرة، الشفافة، التي تنتمي لهذا العصر. وأول أبواب هذا التحول تبدأ من التحول الرقمي لمؤسسات الدولة.
التحوّل الرقمي
نقطة بداية لسوريا جديدة في التحول الرقمي برأي الخبير قاسم، ليست مجرد تحديث لأجهزة الحاسوب، أو إطلاق بوابة إلكترونية حكومية، بل هي عملية جذرية لإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن، وتحديث طريقة عمل القطاع العام باستخدام التكنولوجيا لتحقيق الكفاءة، الشفافية، والحوكمة الرشيدة.
مضيفاً: بعد أكثر من 54 عاماً من الترهل الإداري والتقني، تجد مؤسسات الدولة نفسها مثقلة بجيوش من الموظفين، العديد منهم من دون حاجة فعلية، يعملون ضمن أنظمة بدائية، تستهلك الوقت والموارد، وتكرّس الفساد والمحسوبية. وفي هذا السياق، لا يكون التحول الرقمي ترفاً، بل ضرورة وجودية لإعادة بناء الدولة من الأساس.
التحوّل الرقمي والاقتصاد الوطني
علاقة مباشرة يؤكد وجودها الخبير قاسم بتحسين المؤشرات الاقتصادية من خلال الرقمنة، إذ تستطيع الدولة تقليص الهدر المالي والإداري، ورفع كفاءة الخدمات، وتحسين بيئة العمل والاستثمار. وكل ذلك ينعكس بشكل مباشر على المؤشرات الاقتصادية، وهي: تحسين مؤشر التنافسية العالمية، رفع ترتيب سوريا في تقارير الشفافية ومكافحة الفساد، جذب الاستثمارات الأجنبية عبر بيئة إدارية موثوقة وسريعة الاستجابة، وكذلك خفض النفقات الحكومية من خلال تقليص الاعتماد على الورقيات والعمالة الفائضة.
خبير: نستطيع تقليص الهدر المالي والإداري ورفع كفاءة الخدمات وتحسين بيئة العمل والاستثمار
مشيراً إلى تقرير “الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي 2024″، الذي كشف أن الاقتصاد الرقمي يسهم بنحو 4.1% من الناتج المحلي للدول العربية، بينما يتراوح المتوسط العالمي بين 4.5% و16.1%. كما يشير التقرير إلى أن كل زيادة بنسبة 10% في انتشار الإنترنت تؤدي إلى ارتفاع بنسبة 1.9% في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
ولغرض المقارنة الواقعية مع الدول العربية، لفت قاسم إلى أن مساهمة الاقتصاد الرقمي في الأردن، بلغت 12.2% من الناتج المحلي في 2019، بينما اقتربت في الإمارات والبحرين من 8%. في المقابل، لا تتوفر بيانات دقيقة عن مساهمة الاقتصاد الرقمي في سوريا، ما يعكس التأخر الكبير، وغياب سياسة وطنية للتحول الرقمي.
وبحسب “المؤشر العربي للاقتصاد الرقمي 2024″، تم تصنيف سوريا ضمن الفئة الثالثة من الدول العربية، أي “الدول الساعية للتنمية”، التي تواجه تحديات كبيرة في الاندماج مع الاقتصاد الرقمي العالمي. (Arab Digital Economy 2024).
كما جاء في التقرير نفسه، وفقاً للخبير قاسم، أنّ معدل التضخم في سوريا في نيسان الماضي بلغ 120.4%، مع تضخم شهري نسبته 7.6%، ووصل معدل الفقر إلى 69% من السكان عام 2022، ومعدل الفقر المدقع 27% (البنك الدولي، أيار 2024)
الحوكمة والشفافية
وعدّد قاسم فوائد التحول الرقمي التي يُمكن أن تُحدث تحولاً في الحوكمة عبر: تقليص فرص الفساد، توثيق الإجراءات والقرارات، تحسين جودة البيانات والتقارير المالية، منوهاً بأن الدراسات تشير إلى أن التحول الرقمي يعزز من دقة عمل المدققين الداخليين بنسبة تتجاوز 40%، ويزيد من كفاءة المتابعة والمحاسبة.
الاستقرار الحقيقي
لا يمكن الحديث عن سوريا مستقرة من دون دولة حديثة، برأي قاسم، ولا يمكن بناء دولة حديثة من دون مؤسسات رقمية، متطورة، تستجيب للمواطن وتخدمه بكرامة وكفاءة، فالتحول الرقمي يختزل على سوريا سنوات طويلة من العشوائية، ويفتح الأبواب أمام عودة الكفاءات، وإعادة الثقة بين المواطن ومؤسسات بلاده.
وختم الخبير قاسم قائلاً: إن السير في طريق التحول الرقمي اليوم ليس ترفاً، بل مسؤولية وطنية. لقد خضنا ثورة من أجل الحرية والكرامة، وحان الوقت لنترجم تلك القيم إلى بنية دولة عصرية، تبدأ من مؤسسات تُدار بالتكنولوجيا، وتُقيّم بالبيانات، وتُحاسب بناءً على الأداء.
التحول الرقمي ليس خياراً مستقبلياً… بل هو الطريق الوحيد لعودة سوريا إلى موقعها الطبيعي بين الأمم.