الهدوء المكلف: كيف يصنع التصميم البسيط «المينيماليزم» سجناً نفسياً من الفراغ؟

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية – إلهام عثمان:

في مجال الديكور، يظهر التصميم البسيط أو «المينيماليزم» كحل واعد لحياة أكثر هدوءاً وتركيزاً، ويُروَّج له على أنه ترياق للفوضى الاستهلاكية، ووصفة لتحقيق الصفاء الذهني من خلال الفراغ والخطوط النظيفة، لكن تحت هذا السطح المصقول هناك وجه آخر أقل بريقاً: فخ نفسي قد يحوّل منازلنا إلى مساحات من العزلة والقلق.

الفراغ ليس دائماً صديقاً للدماغ

مهندس الديكور مجد محمد، ومن خلال حديثه مع «الحرية»، بيّن أن الجدران البيضاء قد تبدو فارغة، وهنا يأتي دور الأثاث القليل ليظهر بمثابة لوحة فنية للهدوء، ما يؤدي إلى ترجمتها بشكل مختلف تماماً من قبل أدمغتنا.

محفزات خاصة

كما أوضح محمد أن الدماغ البشري مبرمج للبحث عن المحفزات والأنماط في محيطه، وعندما يواجه بيئة شديدة التبسيط وتفتقر إلى التعقيد البصري، فإنه قد يدخل في حالة من «الحرمان الحسي الجزئي»، وهذا لا يؤدي إلى الهدوء دائماً، بل قد يسبب شعوراً بالضجر والتململ وحتى زيادة في القلق، حيث يبدأ الدماغ في «اختلاق» محفزاته الخاصة.

وهم السيطرة وتكلفة الكمال

وأشار محمد إلى أن «المينيماليزم» يسيطر على حياتنا من خلال التحكم بممتلكاتنا، لكن هذا الوعد له تكلفة باهظة. فبالنسبة لبعض الأفراد، يتحول المينيماليزم من فلسفة إلى هوس. السعي الدائم للحفاظ على الفراغ والكمال يمكن أن يخلق «قلق الصيانة»، فيشعر الشخص أن كل غرض جديد يُنظر إليه كتهديد، وكل بصمة على سطح لامع تصبح مصدراً للتوتر. وهكذا يتحول المنزل من ملاذ آمن إلى معرض فني يجب الحفاظ عليه، ما يضيف عبئاً نفسياً بدلاً من تخفيفه.

غياب الهوية الشخصية

ولفت محمد إلى أن الطراز المينيماليزم، على عكس الطراز البوهيمي الذي يحتفي بالذكريات والقصص، يميل إلى محو الآثار الشخصية. وأضاف: إن شعورنا بالانتماء والراحة في مكان ما يعتمد على ما يسميه علماء النفس «آليات التخصيص»، مثل عرض الصور والهدايا التذكارية والأشياء التي تعكس هويتنا. في التصميم البسيط المتطرف، يتم التخلص من هذه العناصر «غير الضرورية»، ما قد يؤدي إلى شعور بالاغتراب، حيث يصبح المنزل مساحة جميلة ولكنها «باردة»، لا تحكي قصة ساكنيها، ما يضعف الارتباط العاطفي بالمكان.

البحث عن توازن صحي

وختم محمد بالقول: إن الهدف ليس شيطنة التصميم البسيط، بل فهم تأثيره النفسي العميق. فالحل لا يكمن في الفوضى ولا في الفراغ المطلق، بل في خلق «بساطة ذات معنى»، أي مساحة منظمة تسمح بوجود قطع تحمل ذاكرة، وتوفر تحفيزاً بصرياً كافياً لإبقاء الدماغ مهتماً، وتحررنا من السعي المنهك وراء كمال لا يمكن بلوغه.

Leave a Comment
آخر الأخبار