الحرية – رشا عيسى:
يبقى الهاجس الأكثر تداولاً في الأوساط المحلية السورية، التقاط الأنفاس اقتصادياً واجتماعياً، وتفعيل المؤسسات الاقتصادية برؤية جديدة تحمل تباشير طال انتظارها.
وتيرة التعافي تحدد المنعكسات معيشياً واقتصادياً تبعاً للسرعة المحققة في التعافي الذي يبقى خاضعاً للمسارات التي تحددها السياسات المتعددة بأبعادها المختلفة داخلياً وإقليمياً ودولياً.
كويفي: نعيش في منطقتنا محاولة لبناء الثقة
وعلى اعتبار أن الملفات المختلفة متصلة ببعضها بعضاً.. اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، ينعكس أي خلل في إحداها على الأخرى، في حين أن محاولة استعادة الثقة مجتمعياً تحتاج تضافر الجهود بشكل مكثف وعلى المستويات كلها لإعادة وصل ما انقطع، وتعزيز السلم الأهلي، حيث الرهان على النجاح يتخطى العامل الاقتصادي إلى الاجتماعي والسياسي، ويحتاج نجاحاً يتزامن مع الحراك الإيجابي على الساحتين الإقليمية والدولية.
تضافر الجهود
الخبير في الشأن الاقتصادي المهندس باسل كويفي شرح لـ” الحرية” أنه ونظراً للروابط الكبيرة بين الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في سوريا، كما هي الحال في البلدان ما بعد النزاع والصراع، والتي تدخل في صُلب العلاقات الإنسانية، نعيش في منطقتنا حالياً محاولة لبناء الثقة بين الأفراد والمجتمع، وبين المجتمع والحكومة، وبين الدول بعضها بعضاً، ونعيش مرحلة معالجة أزمات السنوات الماضية العميقة، من خلال إعادة بناء المؤسسات بالحوكمة والشفافية والتشاركية ضمن مصطلح (تضافر الجهود) لوضع آلية شاملة للانطلاق نحو مستقبل واعد وفق ما تجود به حالة الثقة وبناؤها وحسن تنفيذها.
كويفي: تبرز أهمية سرعة التعافي في حالة البلدان بعد النزاع
سرعة التعافي
وأكد كويفي أنه في هذه الظروف الصعبة تبرز أهمية (سرعة التعافي)، الذي يبرز بوجه خاص في حالة البلدان بعد النزاع، حيث لا تكون سبل الرزق مضمونة حتى مع بدايات الاستقرار، حيث تمضي عملية الإعمار في مرحلة ما بعد الكارثة بخطى بطيئة تكون المنعكسات المعيشية الصعبة التي تعاني منها الأسر والجماعات المحلية عميقة الجذور، ويستمران لأمد خاضع للظروف والمسارات التي تحددها السياسات المتعددة بأبعادها المختلفة داخلياً وإقليمياً ودولياً.
وعليه فإن لنوعية التعافي الاقتصادي أهميته الكبرى كما يوضح كويفي، ولابد من أن يكون متوازياً مع التعافي الاجتماعي والثقافي، باعتبارها عوامل تتيح فرصة ”لإعادة البناء على نحو أفضل“ – سواء تعلق الأمر بالمساكن وإعادة المهجرين وسكان المخيمات، أم الطرق والمدارس والمستشفيات، إلا أنه من المهم توضيح المقصود بكلمة ”أفضل“، وذلك أن إعادة بناء المساكن والبنى التحتية العامة يجب أن تتم وفقاً “لمعايير السلامة العليا” التي تحد من خطر الكوارث، ويعد أمراً حيوياً من شأنه أن يقلل في المستقبل إلى أدنى حد الخسائر البشرية والاقتصادية لأي كارثة، ويساعد على تهدئة مخاوف الناجين وامتصاص صدمتهم وهم يسعون إلى إثبات وجودهم من جديد في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
كويفي: لا بد أن يكون التعافي الاقتصادي متوازياً مع التعافي الاجتماعي والثقافي
طفرة التنمية
وأشار كويفي إلى أنه أحياناً ينُظر إلى عملية إعادة البناء بشكل أفضل باعتبارها فرصة أُتيحت لبلد تعرض لكارثة كي يحقق ”طفرة في مجال التنمية“ بإنشاء بنى تحتية متطورة ما كانت لتوجد لو لم تقع الكارثة. ومع ذلك فإن لم تتم هذه العملية بما يتوافق مع القدرات المحلية المتاحة وفق اللامركزية الإدارية ستتعثر جهود الإنعاش.
إن إعادة البناء على النحو المناسب هي أكثر ما تحتاجه البلدان التي دُمرت اقتصاداتها، وحتى ذلك يُعد أمراً بالغ الصعوبة بالنسبة للبلدان النامية التي تفقد الكثير من رأسمالها البشري بالتهجير والهجرة خلال فترات الصراع.
ويستلزم ذلك، كما يشرح كويفي، أن تقوم الحكومات بتقديم برامج إلى الجهات المانحة والداعمة يشمل، تقييم الأضرار والخسائر، ووضع مقترحات فنية بشأن التعافي والإعمار وجبر الضرر، مع الحرص على أن تكون نواتج تلك الخطط والبرامج ضمن الواقع العملي ووفق الأولويات الوطنية، مع ضرورة الإشارة إلى تداخل عوامل أخرى، من بينها مدى توافر الأموال والمهارات اللازمة ونوعية المؤسسات المنفذة والمصالح الثابتة وعلاقات جيوسياسية للقوى المؤثرة، على أن تكون مصلحة سوريا وشعبها هي الأساس للنهوض السوري.
بناء السلام
وأكد أنه لإرساء الاستقرار والأمن والسلام المستدام على المستوى المحلي والإقليمي والدولي لابد على الصعيد الداخلي السوري، من بناء السلام المستدام، الذي يتطلب حواراً سورياً دائماً ومستمراً خلال هذه المرحلة الهامة من تاريخنا، بمشاركة واسعة من النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأصحاب الحكمة والمعرفة من كامل الجغرافية السورية، ما يمهد لعقد اجتماعي جديد يتوافق عليه السوريون باليقين والقرار من زاوية اخرى.