الحرية – سامي عيسى:
جميعنا يتحدث عن مكافحة الفساد بكل أشكاله، المالية والاقتصادية والفكرية، وكلٌّ حسب رؤيته وموقعه في العمل، فالخبير الاقتصادي محمد الحلاق يرى أن تحقيق التعافي الاقتصادي الحقيقي يتطلب معالجة جذرية لظواهر تعيق النمو، أبرزها «الفساد الفكري» وغياب التشاركية الحقيقية بين قطاعات المجتمع، مشدداً على ضرورة تمكين القطاع الخاص ليكون شريكاً فاعلاً في التنمية ورفع سوية الأجور، ويحذّر الحلاق من أن سوريا «لا تملك رفاهية الوقت»، وأن كل ساعة تضيع دون التوجه في الاتجاه الصحيح تؤدي إلى نتائج خاطئة، ما يتطلب جهداً مضاعفاً لاستعادة المكانة الاقتصادية التي كانت تسعى لتحقيقها، وما زالت وفق رؤية الحكومة والجهات الفاعلة من القطاع الخاص والمجتمع الأهلي وغيرها.

الفساد الأكثر خطورة
الاختلاف في النظرة لماهية الفساد وتنوعه لا يقلل من خطورة أشكاله وأساليبه المبتكرة من قبل أهل الفساد خلال المراحل السابقة. وأوضح الحلاق أن مفهوم الفساد لا يقتصر على الرشوة والفساد المالي، بل يمتد ليشمل «الفساد الفكري» الذي وصفه بأنه أشد فتكاً والأكثر خطورة على الاقتصاد الوطني، وعرّف الحلاق الفساد الفكري بأنه عدم قبول الطرف الآخر وغياب التشاركية الحقيقية لبناء الاقتصاد، وعدم جذب الهمم من أجل أن يكون الجميع شركاء في التنمية، وأكد أهمية رفع سوية الرواتب والأجور لمنع تحويل الموظف إلى فاسد بسبب عدم كفاية دخله لتأمين متطلباته اليومية ولو بالحدود الدنيا، بما يحقق الكفاية والاكتفاء اليومي في معيشة أفضل.
دعم القطاع الخاص لتحسين واقع الأجور…
أثار الحلاق تساؤلاً حول قدرة القطاع الخاص على مواكبة الحكومة في رفع الأجور، في ظل ظروف صعبة مليئة بالمشكلات التي تحتاج إلى معالجات فورية، وأوضح أن ذلك لن يتحقق إلا إذا قامت الحكومة بتأمين فرص حقيقية للانتعاش الاقتصادي، والمساهمة في زيادة الإنتاجية الوطنية وتأمين مقومات الربحية، لتمكين القطاع الخاص من رفع الرواتب بدلاً من تسريح العمال، الذين يشكّلون حالة ضغط جديدة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
هجرة النوع ورؤوس الأموال..
المشكلة الأخطر التي ما زالت سورية تعاني منها هي «هجرة النوع»، والمقصود بها هجرة الكفاءات ورؤوس الأموال، حيث أكد الحلاق أن رأس المال يبحث عن المكان الأمثل للعمل والإنتاج، والمساحة التي توفر الأمن والأمان واستدامة حالة العمل وزيادة فرص الإنتاج من خلال ولادة مشروعات جديدة تحمل نفس المهمة والاتجاه.
الدعم الفني والنمو الحقيقي…
وأشار الحلاق إلى أن تحقيق النمو لا يمكن أن يتم في ظل تشريعات وقرارات لم تعد تتناسب مع طبيعة المرحلة، ولا مع الرؤى الجديدة للاقتصاد وأعمال التنمية، وركّز على أهمية تحويل الدعم الفني إلى نمو حقيقي، داعياً إلى معالجة التشريعات والقرارات التي تعيق العمل، والتخلي عن ثقافة الفساد والمفسدين في كل الدوائر وجهات العمل الاقتصادي. ولتحقيق ذلك، شدّد على ضرورة اعتماد مفهوم «سباق التتابع» في التنمية، بحيث يؤدي كل طرف دوره ويسلّم «مفتاح المعرفة والقدرة على الإنتاج» للطرف الآخر لإكمال الدورة الاقتصادية والصناعية والتجارية، بما ينعكس بصورة مباشرة على زيادة الإنتاجية الوطنية وتحسين مستويات الدخل لكافة شرائح المجتمع.