الحرية – بشرى سمير:
في ظل التحديات المجتمعية والسياسية التي تعصف بسوريا منذ أكثر من عقد، يبرز إصدار دستور جديد كحدث محوري يستحق التحليل المعمق، وخاصة فيما يتعلق بقدرته على تعزيز التعايش بين مكونات المجتمع السوري المتنوعة.
ورغم أنّ الدساتير تُعد إطاراً قانونياً وأخلاقياً يوجه الدولة، فإنّ نجاحها يعتمد على مدى استجابتها لطموحات الشعب، وضمانها لحقوق الأفراد والجماعات، وقدرتها على معالجة الإشكاليات التاريخية، لكن السؤال الأهم يظل: كيف يمكن للدستور الجديد أن يسهم في دعم التعايش المجتمعي في سوريا، وهل يشكل خطوة حقيقية نحو المصالحة الوطنية؟
التعددية الدستورية وتعزيز التعايش
يجيب عن هذا التساؤل المحامي مروان سرور، مشيراً إلى أنّ سوريا منذ استقلالها، شهدت صراعات متكررة حول الهوية الوطنية الجامعة، وخاصة في ظل تنوعها العرقي والديني الذي يشمل العرب، الأكراد، الشركس، الأرمن، المسلمين، المسيحيين، الإسماعيليين وغيرهم. وقد انعكست هذه التحديات على الدساتير المتعاقبة، التي تراوحت بين التأكيد الحصري على الهوية العربية (كما في دستور 1973) ومحاولات محدودة للاعتراف بالتعددية (كما في مشروع دستور 2012).
وفي ظل التطورات الحالية، أصبح الاعتراف الدستوري بالتنوع مطلباً رئيساً لمختلف مكونات المجتمع السوري.
ويضيف سرور: إنّ الدستور الجديد يتضمن عدداً من المبادئ التي يمكن أن تسهم في تعزيز التعايش، من خلال الاعتراف بالتنوع الثقافي، حيث تنص المادة (7) على التزام الدولة بـالتنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته، مع ضمان الحقوق الثقافية واللغوية. ويعد هذا النص تقدماً نوعياً مقارنة بالدساتير السابقة التي تجاهلت الهويات غير العربية.
كما يؤكد الدستور الجديد على التزام الدولة بتحقيق التعايش والاستقرار المجتمعي، وحفظ السلم الأهلي، ومنع الفتن والانقسامات، ومواجهة التحريض على العنف.
ويرى سرور أنّ تحقيق التعايش السلمي يتطلب ترسيخ السلام الداخلي والاستقرار الاجتماعي، وهو ما يعزز بدوره قدرة المجتمع على تجاوز الأزمات وبناء مستقبل مشترك.
التعايش والتنمية
وبيّن سرور أنّ التعايش السلمي يؤدي إلى الرخاء الاقتصادي، وأن العلاقة بين الرخاء والاقتصاد علاقة تكاملية، حيث لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، كما أنّ التعايش السلمي يخلق بيئة آمنة ومستقرة، ما يجذب الاستثمارات المحلية والدولية، ويسهم في نمو الاقتصاد وخلق فرص العمل، فالمجتمعات التي تنعم بالاستقرار وتدار وفق مبادئ العدالة والمساواة تكون أكثر قدرة على استقطاب رؤوس الأموال، ما يؤدي إلى تحسين الظروف المعيشية وتعزيز النمو المستدام. وفي المقابل، فإن تحقيق الرفاه الاقتصادي يسهم في تخفيف التوترات الاجتماعية، إذ يؤدي تحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص العمل إلى تقليل معدلات الفقر والبطالة، ما يقلل من احتمالات نشوب النزاعات والصراعات.
سياسات اقتصادية
ويشير سرور إلى أنّ وجود سياسات اقتصادية شاملة تضمن توزيعاً عادلاً للموارد تعزز العدالة الاجتماعية، بما يعزز من فرص تحقيق التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة، حيث يمكن للمجتمعات المستقرة أن تركز على التعليم، والابتكار وتمكين الفئات المهمشة، بما في ذلك النساء، حيث تلعب دوراً أساسياً في نشر ثقافة التعايش السلمي، من خلال بناء علاقات قائمة على التفاهم والاحترام المتبادل. وتتيح برامج التمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء قيادة التغيير في مجتمعاتهن، ما يسهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي كذلك.
ولم يخفِ سرور دور التعايش السلمي في تعزيز الوحدة الوطنية والتضامن الاجتماعي، حيث يعمل الأفراد معاً لتحقيق أهداف مشتركة، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية. وعندما يتمتع الجميع بحقوق متساوية ويحظون بفرص عادلة، يصبح المجتمع أكثر تماسكاً وقدرة على مواجهة التحديات.
التعايش كمحفز للسلام والتقدم: إنّ تحقيق التعايش ليس مجرد التزام أخلاقي أو قانوني، بل هو أيضاً ضرورة تنموية وإستراتيجية.
فالمجتمعات التي تقوم على أسس التفاهم والتسامح تكون أكثر قدرة على تحقيق التقدم والازدهار، وعندما يتم تبنّي سياسات شاملة تعزز الحوار والتعاون بين مختلف الفئات، تصبح احتمالية نشوب الصراعات أقل، ما يتيح للمجتمع التفرغ لبناء مستقبل أكثر إشراقًا لجميع أفراده.
وختم سرور حديث بالقول: إنّ التعايش يمثل حجر الزاوية في تحقيق السلام والاستقرار في سوريا. ومن خلال الاعتراف بالتعددية، وضمان الحقوق المتساوية للجميع، وترسيخ ثقافة التعاون والاحترام، يمكن بناء مجتمع متوازن ومزدهر قادر على مواجهة التحديات وتحقيق مستقبل أفضل. إنّ العلاقة بين التعايش والتنمية علاقة تكاملية، حيث يعزز كل منهما الآخر، ما يفتح المجال أمام بناء سوريا أكثر عدالة واستقراراً ورخاء لجميع مواطنيها.