الحرية– فردوس دياب:
يعاني الكثير من المعتقلين الذين تحرروا من غياهب سجون النظام المجرم من الآثار الاجتماعية والنفسية التي خلفها اعتقالهم لسنوات طويلة، والتي تؤثر في حياتهم ومحيطهم الأسري والاجتماعي بكل تفاصيله، والتي قد تدفعهم إلى الانعزال وعدم الاندماج والتواصل مع الآخرين، إلى الدرجة التي يشعرون فيها وكأنهم غرباء وسط ذويهم وأقربائهم وأصدقائهم.
ويعزى ذلك بطبيعة الحال إلى الدمار النفسي الداخلي الذي لحق بهم نتيجة التعذيب والممارسات الوحشية واللاإنسانية التي مارسها بحقهم سجّانو النظام البائد.
انتهاك للحريات
للغوص أكثر في تفاصيل هذا الموضوع، التقت صحيفة “الحرية” الدكتورة منى كشيك الأستاذة في كلية التربية بجامعة دمشق التي حدثتنا عن الآثار السلبية والسيئة التي قد يعانيها بعض المعتقلين الذي تحرروا من معتقلات النظام المخلوع، وعن سبل وطرائق دعمهم لتعزيز عودتهم اجتماعياً الى أسرهم ومجتمعهم.
الدكتورة منى كشيك استهلت حديثها بتعريف المعتقل بأنه كل شخص يتم توقيفه أو حجز حريته من دون قرار قضائي بسبب معارضته للسلطة الحاكمة سابقاً، سواء كان ذلك في الرأي أو المعتقد، أو الانتماء السياسي أو تعاطيه مع معارضيها أو مساعدته لها، مع تأكيدها بأن الاعتقال السياسي يعتبر ممنوعاً ومحظوراً في جميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية، ومواثيق حقوق الإنسان، ويعد خرقاً خطيراً للدستور في العديد من الدول، حيث ينص الدستور سابقاً على التعبير وحق المشاركة في الحياة السياسية.
كما تجدر الإشارة، بحسب كشيك، إلى أنه يجب التمييز بين المعتقل السياسي والمعتقل الجنائي، حيث إن الأول يحتجز بسبب آرائه أو انتماءاته السياسية، بينما المعتقل الجنائي يحتجز بسبب ارتكابه جريمة يعاقب عليها بموجب قانون العقوبات.
وعن حقوق المعتقل بشكل عام، بينت الأستاذة في جامعة دمشق، أن للمعتقل حقوقاً أساسية يجب أن يتمتع بها مثل الحق في الاتصال بالعالم الخارجي، وفي الحصول على محاكمة عادلة، وفي الدفاع عن نفسه.
اكتئاب وكوابيس
وفيما يتعلق بالآثار النفسية، أوضحت كشيك أن الآثار النفسية للمعتقلين هي مجموعة من التحديات النفسية والاجتماعية التي قد تستمر لفترة طويلة بعد الإفراج عنهم، و من هذه الآثار (القلق والاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة واضطرابات النوم وفقدان الذاكرة والكوابيس والصعوبة في التركيز، بالإضافة إلى مشاعر الخوف والقلق)، وتعاني النساء المعتقلات بالتحديد من آثار عميقة بعد التحرر، تشمل الأبعاد الذهنية والجسدية، والشعور بالذنب، بالإضافة إلى الأبعاد الصدمية والذاتية.
وتؤكد كشيك أن العلاقات الاجتماعية الداعمة تعزز فرص التعافي والشفاء، بينما العلاقات السلبية مثل الشفقة والرفض قد تؤدي إلى آثار سلبية مستمرة، كما أن برامج العلاج النفسي لها فعاليتها في تحسين الصحة النفسية للمحررات والمحررين إن تم تطبيقها بشكل علمي ومنهجي صحيح، لما لها من تأثير في تحسن الأبعاد الذاتية والانفعالية والجسدية لهم.
دعمهم عاطفياً
وتشدد الدكتورة الجامعية على الأهمية الكبيرة لدور الأهل في دعم المعتقلين حيث يعد ذلك حيوياً ومؤثراً في عملية التعافي، وإعادة الاندماج في المجتمع، ويتمثل هذا الدور في توفير الأمان العاطفي، حيث يتوجب على الأهل، أن يكونوا مصدر دعم نفسي لهم لمساعدتهم على تجاوز الصدمات النفسية الناتجة عن فترة الاعتقال، وكذلك من خلال تقوية الروابط الأسرية عبر التواصل المستمر والزيارات، ما يسهم في إعادة بناء العلاقات مع أفراد الأسرة الواحدة، بالإضافة إلى خلق بيئة منزلية آمنة ومحبة تساعدهم على الشعور بالراحة والطمأنينة، ومساعدتهم في العثور على فرص عمل مناسبة لهم.
حملات توعية
أما عن دور المجتمع في دعمهم، فيتجلى ذلك بحسب الدكتورة كشيك من خلال توفير الرعاية الصحية والنفسية لمساعدتهم في التعافي من آثار الاعتقال، وتوفير كافة الخدمات والرعاية الصحية اللازمة لمواجهة الآثار النفسية والجسدية الناتجة عن التعذيب، كما من المهم تنظيم فعاليات ثقافية وحملات توعية لدعمهم ومساعدتهم في إعادة دمجهم في المجتمع.
كما يتوجب على المجتمع العمل على تقليل العزلة التي قد يشعر بها المعتقلون بعد الإفراج عنهم من خلال توفير فرص للتواصل والتفاعل الاجتماعي وتشجيع الأنشطة الجماعية والمشاركة فيها، لأن من شأن ذلك أن يساعد في تعزيز شعور الانتماء للأسرة والمجتمع.