الحرية – بشرى سمير:
يشكل التهرب الضريبي أحد التحديات الكبرى التي تواجه الاقتصاد السوري في ظل الأزمات المتعددة التي يعانيها البلد. يؤدي هذا التهرب إلى حرمان الخزينة العامة من موارد مالية مهمة كانت ستسهم في تمويل الخدمات الأساسية والبنى التحتية، ما يفاقم الأزمة الاقتصادية ويوسع فجوة الموازنة.
خبير مالي: إعادة النظر بالتشريعات الضريبية وبناء الثقة بين المواطن والدولة حجر الزاوية لأي إصلاح
يقول المراقب المالي والخبير الاقتصادي مازن حواصلي لـ”الحرية”: بعد سنوات من الدمار والصراع التي مرت على سوريا، هناك حاجة ملحة لإعادة البناء على أسس متينة تحقق العدالة والاستقرار. ومن أهم هذه الأسس إنشاء نظام ضريبي عادل يشكل ركيزة أساسية لإعادة إعمار البلاد وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة ولطالما كان هناك معاناة بسبب التهرب الضريبي بأشكاله المختلفة من عدم إصدار الفواتير في المعاملات التجارية أو التلاعب في البيانات المالية والإقرارات الضريبية واستغلال وجود ثغرات قانونية في التشريعات الضريبية إضافة إلى الفساد الإداري وضعف الرقابة.
آثار التهرب الضريبي
وأشار حواصلي إلى انعكاس التهرب الضريبي على الاقتصاد وآثاره السلبية على الخدمات العامة وعجز الحكومة على تمويلها إذ تحتاج سوريا إلى موارد هائلة لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، من طرق، ومستشفيات، ومدارس، ومرافق عامة. النظام الضريبي العادل يمكن أن يوفر تدفقاً مالياً مستقراً ودورياً لهذه الغاية، بدلاً من الاعتماد الكلي على المساعدات الخارجية أو الاقتراض.
تراجع الاستثمار
إضافة إلى تراجع الاستثمار في البنى التحتية والخدمات الأساسية كالصحة والتعليم ولفت إلى ما يسببه التهرب الضريبي من تشويه المنافسة في السوق لصالح المتهربين ضريبياً و إضعاف كفاءة تخصيص الموارد في الاقتصاد.
وتقويض مبدأ العدالة الضريبية والمساواة في تحمل الأعباء العامة ولم يخف حواصلي وجود آثار اجتماعية للتهرب الضريبي تتمثل في انعدام الثقة بين المواطنين والدولة و تفاقم الفقر وتردي مستوى الخدمات العامة وتوسيع فجوة عدم المساواة في توزيع الدخل والثروة.
الإصلاح التشريعي والمؤسسي
وأشار حواصلي إلى أهمية العمل على إعادة النظر بالتشريعات الضريبية من:
– تبسيطها وجعلها أكثر شفافية ووضع نظام جديد للعقوبات على التهرب الضريبي ليكون رادعاً وفعالاً والسعي لتعزيز استقلالية مصلحة الضرائب وتطوير بنيتها التحتية التقنية.
– إضافة إلى إصلاح نظام تسعير المواد الأساسية والتحويلات والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية بعد أن تحمل الشعب السوري العبء الأكبر من ويلات الحرب، يجب أن يتحمل من يتمتعون بقدرة مالية أكبر حصة أكبر من أعباء إعادة الإعمار والنظام العادل يعني فرض ضرائب تصاعدية على الدخل المرتفع والثروات، وتخفيف العبء على محدودي الدخل والفئات المتوسطة.
– كما يمكن لنظام ضريبي مدروس أن يشجع على الاستثمار المحلي والأجنبي في القطاعات الإنتاجية (كالزراعة والصناعة والتكنولوجيا) من خلال تقديم إعفاءات وحوافز لها ولابد من مكافحة الفساد ويعد النظام الضريبي المبني على الشفافية والوضوح وسيلة فعالة لمكافحة الفساد والتهرب الضريبي، حيث يحد من الاقتصاد غير الرسمي ويرسي مبادئ المساءلة.
ومن ناحية بناء الثقة يساهم النظام الضريبي العادل في إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، فحين يرى المواطن أن أموال الضرائب تُستخدم بشكل فعال في خدمته وخدمة المجتمع، سيدفعها برضا، ما يقوي شرعية الدولة ويدعم استقرارها ويجب أن يتمتع النظام بالمرونة وأن يكون النظام قابلاً للتطوير والتعديل وفقاً للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية.
التحول الرقمي
وأكد حواصلي على أهمية التحول الرقمي من خلال تعميم استخدام الفواتير الإلكترونية و تفعيل أنظمة الدفع الإلكتروني وربط مختلف المؤسسات الحكومية بشبكة معلومات موحدة.
مبيناً أن مكافحة التهرب الضريبي في سوريا يبقى تحدياً كبيراً يتطلب إرادة سياسية حقيقية وإصلاحاً شاملاً للنظام الضريبي، فمعالجة هذه المشكلة ليست مسألة تقنية فحسب، بل هي مسألة تتعلق بإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن، وضمان تحقيق العدالة الضريبية كأساس لتحقيق التنمية المستدامة. إن النجاح في هذا المجال سيسهم بشكل كبير في تخفيف الأعباء الاقتصادية التي يعانيها الشعب السوري.
الضريبة الموحدة على الدخل
وأشار إلى قرب إصدار الحكومة السورية حزمة من القوانين الجديدة التي تصب في خانة الإصلاح الضريبي، مؤكداً أن البلاد باتت مستعدة للدخول في مرحلة جديدة من السياسات الضريبية، أكثر عدالة وشفافية وأن وزارة المالية ستطرح خلال الفترة المقبلة مشروع “الضريبة الموحدة على الدخل”، تمهيداً لإطلاق حوار عام حوله مع مختلف الجهات المعنية والجمهور، ما يعد خطوة أساسية في طريق إعداد القانون الجديد، الذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ مع بداية عام 2026، وشدد على أن الحوار يهدف إلى فتح باب التشاور وتعزيز المشاركة المجتمعية في صياغة النظام الضريبي المرتقب.
نظام ضريبي عادل
وختم بالقول: إن بناء نظام ضريبي عادل في سوريا بعد التحرير ليس خياراً اقتصادياً فحسب، بل هو واجب أخلاقي وضرورة سياسية واجتماعية. إنه استثمار في استقرار البلاد ووحدتها وازدهارها. نظام ضريبي عادل وشامل سيكون حجر الزاوية في عقد اجتماعي جديد، يقوم على مبادئ المواطنة الفاعلة، والعدالة في توزيع الثروات والأعباء، والشفافية في إدارة المال العام. فقط من خلال نظام كهذا، يمكن لسوريا أن تنهض من تحت الأنقاض، ليس فقط مبانيها، بل كرامة شعبها ومستقبل أجيالها.