الحرية – خليل اقطيني:
(بس بـ600 ألف الذبيحة) هكذا ينادي مربو الثروة الحيوانية في الحسكة على مواشيهم في شوارع وساحات المدينة كل يوم، من أجل بيعها.
ولأن رخص السعر لفت نظرنا، إذ كان سعر الشاة أو الخروف الواحد يصل إلى 10 أضعاف السعر المعروض هذه الأيام. أي 6 ملايين ونصف المليون ليرة، اقتربنا من البائع وعرفنا أنه يدعى إبراهيم ويكنى بأبي خليل. وسألناه إن كان على استعداد لبيعنا خروفاً ب 500 ألف بدلاً من 600 ألف ليرة. وبعد تردد وافق على مضض “لأن الوقت تأخر ويريد العودة إلى بيته في القرية”.
طبعاً هدفنا من هذا المدخل هو معرفة ما إذا كان المربي إبراهيم أو غيره من المربين على استعداد لبيع مواشيهم، جزءاً منها أو كلها، بأرخص الأسعار، وهذا ما تأكدنا منه.
سببان لانخفاض الأسعار
سألنا المربي إبراهيم عن الأسباب التي أدت إلى تهاوي أسعار الثروة الحيوانية إلى هذا المستوى المتدني، فذكر أنه يرى أنه ثمة سببان رئيسان لذلك.. أولهما قلة الهاطل المطري هذا الموسم، ما أدى إلى غياب المراعي الخضراء، واضطرار المربين للاعتماد على الأعلاف الجافة لإطعام مواشيهم، وقد جعلت الأسعار المرتفعة للأعلاف الجافة تربية المواشي غير مجدية وتشكل عبئاً على المربين، وكانت بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، ودفعت المربين إلى طرح مواشيهم في الأسواق بأبخس الأسعار.
إبراهيم: الجفاف وانخفاض أسعار الفروج وراء انهيار أسعار الثروة الحيوانية
هذا السبب الأول.. أما السبب الثاني حسب المربي إبراهيم، فهو انخفاض أسعار الفروج نتيجة لزيادة العرض وقلة الطلب، ما أدى إلى زيادة إقبال المستهلكين على شراء الفروج بدلاً من اللحوم الحمراء.
عبء كبير
وأوضح إبراهيم أنه يملك 150 رأساً من الأغنام، وهي تحتاج إلى نحو 300 كغ من العلف كل يوم، ما يشكل عبئاً مالياً كبيراً عليه، ولأنه لا يستطيع تحمل هذا العبء يضطر يومياً إلى نقل عدد من مواشيه من القرية التي يسكن فيها إلى أسواق مدينة الحسكة على أمل بيعها، لكنه فوجئ بالإقبال الضعيف على شراء الأغنام والخراف من قبل السكان، إذ بالكاد يبيع خروفين أو ثلاثة من أصل عشرة في أحسن الأحوال، بعد انتظار يستمر النهار بطوله من الصباح الباكر حتى المساء. وبسعرٍ متدنٍ جداً بالكاد يصل إلى 10% من الأسعار التي كانت رائجة في أسواق المواشي الموسم الماضي.
وهذا يعني أن العمل بتجارة الثروة الحيوانية أصبح غير مجدٍ، بعد أن كانت تجارة رابحة ومجزية.
منعكسات الجفاف
الخبير الزراعي المهندس جلال بلال ذكر للحرية أن حالة الجفاف التي سيطرت على محافظة الحسكة في الموسم الحالي، تركت منعكسات سلبية كبيرة على الثروة الحيوانية في جميع مناطق المحافظة.
مبيناً أن صغار المربين هم الأكثر تأثراً بحالة الجفاف التي سيطرت على المحافظة، وذلك بسبب غلاء أسعار الأعلاف الجافة، الأمر الذي اضطرهم إلى طرح جزء من مواشيهم في الأسواق لبيعها من أجل التخفيف من أعباء تربيتها الناتجة عن شراء الأعلاف اللازمة لتغذيتها.
بلال: أسعار الثروة الحيوانية في الموسم الماضي كانت أعلى بعشرة أضعاف عن سعرها هذا الموسم
وأوضح بلال أن أسعار المواشي في أسواق محافظة الحسكة انخفضت بنسبة 90% بسبب الجفاف الناتج عن قلة الأمطار، وهو رقم غير مسبوق، ولم يسبق أن شهدت المحافظة له مثيلاً في السنوات السابقة، وقد أدى الجفاف إلى غياب المراعي الطبيعية الخضراء، ما اضطر مربي الثروة الحيوانية إلى الاعتماد على الأعلاف الجافة ذات التكاليف المرتفعة.
وبحسب بلال انخفض سعر الخروف من 6 ملايين ليرة سورية في الموسم الماضي 2024 إلى 600 ألف ليرة فقط في الموسم الحالي، وهذه الحالة تنسحب على بقية أصناف الثروة الحيوانية من ماعز وأبقار.
التصدير هو الحل
ويرى بلال أن الحل الأمثل والأسرع في هذه الحالة، هو فتح باب التصدير أمام مربي الثروة الحيوانية، على أمل بيع جزء من مواشيهم في الأسواق الخارجية بأسعار معقولة، ما يخفف جزءاً من خسائرهم.
ويؤكد أن السماح بالتصدير سينعكس على الأسواق الداخلية أيضاً، كونه سيؤدي إلى قلة العرض، ما سيؤدي بدوره إلى ارتفاع بالأسعار، والتخفيف كذلك من خسائر المربين، الذين إن لم تشهد الأسواق أي تحرك لمعالجة هذه المشكلة، سيعزف الكثير منهم عن العمل في مجال تربية الثروة الحيوانية، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تراجع أعداد القطيع في المحافظة بشكل كبير، وترميم هذا النقص سيحتاج إلى سنوات عديدة.
ولفت بلال إلى أن التقديرات تشير إلى أن محافظة الحسكة تضم نحو المليون ونصف المليون رأس غنم ونحو 75 ألف رأس بقر ونحو 200 ألف رأس ماعز.
انخفاض أسعار اللحوم
بقي أن نشير إلى أن انخفاض أسعار الثروة الحيوانية ترافق مع انخفاض بأسعار اللحوم الحمراء في أسواق المحافظة، فقد انخفض سعر كيلو لحم الضأن من 150 ألف ليرة إلى النصف تماماً، أي إلى 75 ألف ليرة فقط.