الحدث السوري عندما يفرض نفسه إقليمياً دولياً.. ماذا في الامتدادات المستمرة والمفتوحة؟

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

بلا شك لم ينته الحدث السوري عند يوم الـ8 من كانون الأول الماضي. ما زال الحدث ممتداً ومفتوحاً داخلياً وخارجياً، وعلى سيناريوات عدة، قد تكون في معظمها أقرب لأن تكون إيجابية بالنسبة لسوريا الجديدة، في تموضعها الإقليمي- الدولي الجديد.

بالأمس أصدرت الخارجية الفرنسية بياناً، أشارت فيه صراحة إلى هذه المسألة قائلة: «على الأكيد لا ينتهي الحدث السوري عند انتصار الثورة، هذه البداية فقط، والقادم كبير واستراتيجي».

وبعيداً عن مسألة أن هذا التصريح جاء في سياق الخطوات الفرنسية/ الأوروبية باتجاه الانفتاح على القيادة الجديدة في سوريا.. وبعيداً عن مسألة أنه يأتي في سياق التحضير لمؤتمر باريس حول سوريا المقرر الخميس المقبل، وأولوية رفع العقوبات.. فإن هذه الجزئية من البيان الفرنسي تؤكد ما يذهب إليه الجميع في قراءة وتحليل الحدث السوري وأبعاده الاستراتيجية، الفارق أن هذه المسألة عندما يتم تناولها رسمياً فإنها تكتسب ثقلاً أكبر ويتم على أساس ذلك توسيع القراءة والتحليل.

وبالنظر إلى أن المنطقة لا تزل تمور وتفور بأحداث مفصلية، تعيد تشكيل الخرائط الجيواستراتيجية، بانزياحات إقليمية ثقيلة الوقع والتداعيات، فإن الحدث السوري لا يزال محوراً رئيسياً، طالما هو ما زال ممتداً ومفتوحاً.. أكثر من ذلك متقاطعاً مع أهم الملفات الدولية وعلى رأسها الأميركية، إذا ما نظرنا لخريطة التواجد/ النفوذ الأميركي في المنطقة، وفي سوريا (الشمال الشرقي). هنا يبرز بشكل أساسي تجديد الرئيس دونالد ترامب تصريحاته حول عزمه الانسحاب من سوريا. وهي تصريحات مستمرة، تخفت بعض الوقت، ثم تعود بالقوة نفسها، فيتقاطر المراقبون والمحللون ويذهبون في إثرها، قراءةً وتحليلاً، من دون أن يعني ذلك إجماعهم أو قدرتهم على إعطاء قراءات نهائية، ففي الحدث السوري، أعاد التاريخ إثبات معادلة أنه لا يمكن بكل الأحوال والأزمان قراءة المسار والفعل التاريخي، للتاريخ دائماً مفاجآته التي لا يمكن التنبؤ بها.

الانسحاب المُعلن من قبل ترامب يُفترض أن يتم خلال 90 يوماً، لكنه حتى الآن لم يُعرف متى تبدأ مدة الـ90 يوماً، فلا تفاصيل ولا شروحات ولا توضيحات، علماً أن ترامب سبق وأعلن الأمر نفسه في ولايته الأولى (2016-2020) قبل أن يتراجع باتجاه سيناريوات أخرى في سوريا بارتباطات إقليمية.

(عدد القوات الأمريكية في سوريا يبلغ حالياً نحو 2000 جندي، حيث ضاعف البنتاغون في كانون الأول الماضي، من قواته التي كانت تبلغ 900 جندي فقط).

بالعموم ينقسم المراقبون والمحللون، شاقولياً، حيال مسألة إعلان ترامب عزمه الانسحاب من سوريا، علماً أن هذه المسألة، أي التواجد الأميركي، موجودة ضمن قائمة أولويات القيادة السورية الجديدة، وهي مدار مباحثات عربية وإقليمية (مثلها مثل التوغلات الإسرائيلية في الجنوب).

أغلبهم يرون أن ترامب ليس جاداً، مشيرين إلى الوقائع على الأرض، التي تؤكد أنه لا يمكن لأميركا أن تنهي تواجدها في سوريا، بل هي تعززه بصورة مستمرة، هذا عدا عن أن سياساتها/مخططاتها المستقبلية المُعلنة للمنطقة لا تدعم كثيراً مسألة الانسحاب فهو ليس خياراً استراتيجياً في وقت تتعامل فيه واشنطن مع المنطقة «سلة واحدة».. وسوريا في القلب منها.

يُضاف إلى ذلك، المسألة الأهم، وهي غزة. فإذا كان ترامب جاداً فيما يُعلنه حول غزة (تهجير أهلها باتجاه دول عربية مجاورة، أو مطالبته دولاً عربية بإقامة دولة لهم على أراضيها، أو باعتباره غزة مكاناً غير صالح للعيش بعدما أحاله –الطوفان- دماراً شاملاً ولا مجال لإعادة إعماره إلا بإخلاء الفلسطينيين منه، وأنه سيبقى تهديداً لإسرائيل إذا ما عاد إلى وضعه الديمغرافي السابق… الخ). وهنا تبرز  تصريحاته حول تحويل غزة إلى«ريفييرا الشرق الأوسط».

إذا كان ترامب جاداً في ذلك فهذا يعني أن على أميركا أن تبقى على أقرب ما يمكن جغرافياً من غزة/إسرائيل، في سبيل تحقيق ذلك، وفي سبيل ضمان الأمن الإسرائيلي بصورته النهائية فلا يتكرر «طوفان الأقصى».. وإذا كانت أميركا تريد استئناف مسار التطبيع بهدفه بعيد المدى (ممرات التجارة والطاقة) والنهائي (مواجهة الصين).. وإذا كانت تريد للعالم أن يبقى ضمن «القرن» الأميركي، فإن كل هذا لا يستدعي انسحاباً، بل بقاء وتعزيز لهذا البقاء.

أما على المقلب الآخر، أي مقلب جدية ترامب في مسألة الانسحاب من سوريا، فهناك فريق من المراقبين يرون أن أميركا لا تحتاج للبقاء في سوريا في ظل أمرين: الأول تموضعها الجديد عربياً وإقليمياً، والثاني يتعلق بعملية تنسيق المواقف، مع تركيا خصوصاً، إذا ما أخذنا بالاعتبار ملف الأكراد (وحتى مع دول عربية إذا ما أخذنا بالاعتبار الترتيبات المستقبلة، في الاقتصاد تحديداً)..

وهي بالعموم، تبدو أنها تريد تولي الحلفاء الملفات العالقة في المنطقة (في سوريا مثلاً) ووضعها في ميزان العلاقات مع الولايات المتحدة، وتقييمها على هذا الأساس.

بين هذين الفريقين من المراقبين، لا تُصرّح أميركا بما يعزز أحدهما على الآخر، بل تترك المسار مفتوحاً حتى «يُبنى على الشيء مقتضاه».. ربما ترى في سياسة «بالونات الاختبار» نهجاً استباقياً ناجحاً، وهذا سِمة إدارة ترامب بالعموم مُضافاً إليها في المرحلة الحالية (والقصيرة المقبلة) حالة عجز عن توقع التطورات، أو ما قد تكون عليه مواقف الدول من انزياحات كبرى تجري، أو يتم التحضير لها، في المنطقة.. وعليه تجد إدارة ترامب أن تلك السياسية الاستباقية ناجحة، أو بعبارة أدق لا بديل لها، حتى إشعار آخر.

الوسوم:
Leave a Comment
آخر الأخبار