الحرية – وديع فايز الشماس:
تعيش منطقة الغاب وغرب مدينة حماة هذه الأيام واحدة من أصعب محطاتها البيئية، مع امتداد حرائق كبيرة في الغابات والمناطق الزراعية، أدّت إلى خسائر ملموسة في الثروة الحرجية، وتضرر بعض الأراضي الزراعية، ما يستوجب استنفارًا على كل المستويات، للحد من الأضرار، والعمل على احتواء آثارها.
ورغم الجهود التي تبذلها فرق الإطفاء بالتعاون مع الأهالي، يبرز سؤال جوهري: لماذا تتكرر هذه الحرائق؟ ومن المستفيد من إلحاق الأذى بمساحات خضراء تُعد من أهم الموارد الزراعية والبيئية في البلاد؟
تحديات طبيعية… وتنسيق مطلوب..
لا شك أن ارتفاع درجات الحرارة، وسرعة الرياح، وصعوبة التضاريس، تُعد من أبرز العوامل التي ساهمت في تسارع امتداد النيران. وهي عوامل باتت معروفة ومُتوقعة خلال فصل الصيف، وتتطلب استعدادًا دائمًا واستجابة فورية عند أول مؤشرات الخطر.
رغم محدودية الإمكانات في بعض النقاط، ووعورة الطرق المؤدية إلى بؤر الحريق.
ومع ذلك، لا يخفى على احد بأن يكون هناك تحرك أسرع وتنسيق أعلى، لا سيما في اللحظات الأولى، التي غالبًا ما تكون حاسمة في احتواء أي حريق قبل تفاقمه.
تعاون المجتمع المحلي… عنصر قوة لا بد من تفعيله
شهدت الأيام الماضية تحركًا فاعلًا من المجتمع المحلي، حيث بادر العديد من الأهالي للمساهمة في عمليات الإطفاء والوقاية، ما يعكس وعيًا بيئيًا عاليًا وحرصًا على حماية أرزاقهم وبيئتهم.
ويطرح ذلك ضرورة تعزيز آليات التنسيق بين الجهات الرسمية والمجتمعية، وتفعيل خطط الاستجابة المحلية، وتوفير الأدوات والتدريب اللازم لتمكين المواطنين من المساهمة بشكل منظم وآمن في التصدي لمثل هذه الكوارث.
من المستفيد من اشتعال الغابات؟
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل يمكن اعتبار هذه الحرائق مجرد حوادث عابرة؟ أم إن هناك من يسعى، عن قصد أو عن غير قصد، إلى الإضرار بالثروة البيئية والزراعية الوطنية؟
فالمتضرر ليس فقط البيئة أو الفلاح، بل الاقتصاد الوطني عمومًا، ما يفتح الباب واسعًا أمام التساؤلات حول أسباب الحريق، والدوافع المحتملة، إن وجدت، وراء تكراره في نفس المناطق، وضمن توقيتات حرجة.
ضرورة تكامل الأدوار..
لا يمكن مواجهة حرائق بهذا الحجم بتدخل جزئي أو متأخر، بل يجب أن تكون هناك خطة وطنية متكاملة للوقاية، تتضمن تأمين نقاط مراقبة دائمة، وخطوطاً عازلة في المناطق الحساسة، وتفعيل دور البلديات والمجالس المحلية، وتحديث آليات الإطفاء وتوزيعها بشكل مدروس.
كما أن إعادة التشجير، وتعويض المتضررين، وإطلاق حملات توعية، يجب أن تكون جزءًا من استراتيجية الاستجابة الشاملة بعد انتهاء الأزمة.
و ختاماً..
الحرائق في الغاب ليست حدثًا محليًا عابرًا، بل هي قضية وطنية تستوجب المتابعة والمساءلة والتخطيط الدقيق. وإذا كانت الطبيعة قد لعبت دورًا في انتشارها، فإن التخطيط والجهوزية والتعاون بين المؤسسات والمجتمع هو السبيل الوحيد لتقليل الأضرار، ومنع تكرار المشهد ذاته عامًا بعد عام.
والمطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، توحيد الجهود لحماية ما تبقى من الغطاء الأخضر، لأنه ليس فقط إرثًا بيئيًا، بل ركيزة من ركائز الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي في سوريا.