الحرية- ميسون شباني:
أقيم في اتحاد الكتاب العرب ،جمعية القصة والرواية، ندوة حوارية فكرية بعنوان “الحرية والمنفى في الرواية والأدب “وتم اختيار كل من الأديبين محمد الماغوط وحيدر حيدر كأنموذجين، وقد شارك فيها كل من الأديبين عماد نداف وغسان حورانية.
أوراق المنفى
بدأ الأديب نداف بحديثه عن أدب المنفى بأشكاله مشدداً على أن المنفى الداخلي أشد المنافي تأثيراً في النفس ويشعر فيها الكاتب أن الكلمة عالقة لا يمكنها الخروج، وفي حالة الروائي حيدر حيدر فهو يعبر عن مشروع الرفض السياسي والأدبي في سوريا في مرحلة ظهور الرواد من الادب السوري الحديث، وفي أوراق المنفى يسجل شهادات قاسية وجارحة عن زماننا العربي لذا أطلق عليه كاتب البأس والقسوة.
أدب المعاناة
كما تطرق نداف إلى ظروف القهر السياسي التي عاشها حيدر وجسدها في محتوى روايته الشهيرة “وليمة لأعشاب البحر” التي منعت في مصر وبعدها في سورية ثم ما لبثت أن انتشرت كالنار في الهشيم.
وتناقش الرواية الواقع السياسي والاجتماعي في العراق والجزائر في النصف الثاني من القرن العشرين.. حيث يتطابق هذان البلدان رغم البعد الجغرافي والاختلاف التاريخي في العصبية والثورة والإيديولوجيات.. فالقالب نفسه حتى وإن اختلفت القشرة الخارجية والعنصر المشترك بينهما هو الثورة والضياع والإخفاقات والأوضاع اللامنطقية.
ويشير نداف إلى أن اللافت بحيدر حيدر هو اختياره لخلفية روايته ثقافتين بعيدتين عن بعضهما، لافتاً إلى أن وجوده في الجزائر عقب جلاء المستعمر الفرنسي وسماعه الكثير من القصص أسهم في خلق هذا العمل الإبداعي النادر.
وخلال الندوة لم ينحصر النقاش على هذه الرواية لأن حيدر حيدر نشر الكثير من الأعمال الأدبية منها: حكايا النورس المهاجر، الفهد، الومض، الرمز الموحش، الوعول، مرايا النار، أوراق المنفى.. وغيرها.. ومن ثم فالحديث عن أدب حيدر حيدر يعني الحديث عن الحرية، فقد جاءت قصته لتحمل هماً وتمثل المحرومين والمهمشين، ومن يمثلون قاع المجتمع، فمزج بين الواقعي والأسطوري وكان متمرداً على جميع أشكال التنميط والسلطة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهذا التمرد هو السبب في عدم انتشار أعماله رغم قيمتها الفكرية والأدبية.
الماغوط.. الحريةُ والمنفى
من جهته قدم الأديب غسان حورانية قراءة ممنهجة في أدب محمد الماغوط مستذكراً وصف إدوار سعيد للمنفى بأنّه أكثر المصائر إثارةً للحزن، لافتاً إلى أن النفي والطرد منذ القدم يعدّ عقاباً مروِّعاً للشخص المنفي، وقد جهد الكتّاب منذ زمن طويلٍ في توظيف الأدب للتعبير عن المنفى، وما يكتنفه من معاناة.
واستعاد حورانية بعضا مما قدمه الماغوط في منجزه الأدبي المنسجمة مع فكرة المنفى وماعاناه:
في القريةِ يقولونَ لي: مكانُكَ ليسَ هُنا
في المدينةِ يقولونَ لي: مكانُكَ ليسَ هُنا
في الوطنِ يقولونَ لي: مكانُكَ ليس هنا
وفي المنفى يقولونَ لي: مكانُكَ ليسَ هُنا
أين َمكاني إذاً؟ في الفضاءِ!
نضال الماغوط
كما تحدث حورانية عن شعلة حياة الماغوط الأدبيَّة وكيف بدأت بعد دخوله السجن على خلفية انتمائه إلى الحزبِ القومي السوري الاجتماعي الذي لم يدخله أصلاً، بل كان انتماء لمبادئه التي لم يقرأْها أصلاً، بل دخله لقربه من بيته واحتوائه على مدفأة تقيه البرد، فكتب في السجنِ قصيدته الأولى على أوراقِ السجائرِ عبّر فيها عن ألمه ومآسيْ شعبِه، وبعد خروجِه انتقل إلى بيروتَ هارباً مُطارداً، وكانت حينها قبلة الشعراء والمثقفين.. ولفت حورانية إلى أن الحرية كانت الملاذ والمآل للفكرِ الأدبي والسياسي للماغوط، حيث أثرت البيئة السياسية والاجتماعية المضطربة في ثقافته وتوجهه وتكوين حياته الأدبية، كما استعاد حورانية نشأة الماغوط إبان الاحتلال الفرنسي ومعاصرته الانقلابات العسكرية على سوريةَ، وما تخلّلها من ظلم وقمعٍ سياسي تجسّد أخيراً خلال فترة الحكم الأسدي البائد الذي دام أربعة وخمسين عاماً، وكيف لجأ إلى استخدم الأدب الساخر وسيلة للتعبيرِ عن اشتياقه للحرية ورفضه حياة المنفى والظلم والقمع والاستبداد، وقدم بعض المقولات من شعره ومسرحياته والمعبرة عن أفكاره..
اقتباسات
“قالَ لهُ: أينَ الحقُّ؟ أجابَهُ: الحقُّ برأسِ كرباجِكَ يا بيكُ!
سألَهُ: مَنْ أنتَ؟ أجابَهُ: أنا لا شيءَ، أنا المواطنُ لا شيءَ!”
“لم أستطعْ تدريبَ إنسانٍ عربيٍّ واحدٍ على صعودِ الباصِ من الخلفِ والنزولِ من الأمامِ، فكيفَ بتدريبِهِ على الثورةِ؟”
واعتبر الكثيرون الماغوط مرآة حقيقية للقلوبِ المُتألّمة التي كاد التوق للحرية يفتكُ بها، لذا حاول أنْ يخدش بأظفاره الحادة الوجهَ القميء للحاكم المستبد، ليحرك في القلوبِ المنكسرة الأمل والوعي بحتمية النجاة نحو الكرامة والعلياء.