الحرية – خليل اقطيني:
تجتاح مدينة الحسكة منذ شهرين ونيف أكوام القمامة والنفايات بجميع أنواعها من كل حدب وصوب. الأمر الذي زاد الطين بلة وحوّل حياة السكان إلى جحيم، وجعل المشكلات العديدة التي يعانونها منذ شهور تزداد مشكلة إضافية في غاية الخطورة. ولاسيما في ظل ارتفاع غير مسبوق بدرجات الحرارة، ما جعل المشكلة تزداد حدة وتعقيداً، وترتفع أضرارها إلى مستويات خطيرة.
القمامة الشيء الوحيد المتوفر..!
نورية الطه (60 عاماً)، ذكرت لصحيفة الحرية أن أكوام القمامة أصبحت تحاصر بيتها وبيوت جيرانها في الشارع الكائن في حي المطار الشمالي في المدينة من جميع الجهات. الأمر الذي حرمهم نعمة النوم بسبب الروائح الكريهة المنبعثة من النفايات، نتيجة تركها فترة طويلة من الزمن تتجاوز الشهر من جهة، وارتفاع درجات الحرارة من جهة أخرى. ما أدى إلى تخمّر تلك النفايات وانبعاث الغازات الضارة منها، وما تلك الروائح إلا روائح تلك الغازات.
الأهالي: مدينتنا مقبلة على كارثة صحية وبيئية إن لم يتم تدارك الأمر
وتضيف: إن أكوام القمامة أصبحت مرتعاً للكلاب الشاردة والحشرات الضارة والذباب والبعوض، الأمر الذي جعل الخلود إلى ساعة واحدة فقط من النوم من الـ 24 ساعة حلماً صعب المنال.
وعبر أيوب جرجس – موظف متقاعد – عن مخاوفه من الأضرار التي تسببها أكوام القمامة التي تملأ الشوارع والساحات في المدينة في هذا الصيف اللاهب على السكان من جهة وعلى البيئة من جهة ثانية.
في حين، شدد محمود الصبور سائق تكسي أجرة على أن مشكلة تراكم القمامة والنفايات في شوارع وساحات المدينة، تضاف إلى المشكلات العديدة التي يعانيها السكان منذ شهور. وأبرزها غياب الخدمات بسبب إغلاق المؤسسات الحكومية، إضافة إلى انقطاع الكهرباء والماء والاتصالات وغير ذلك من الخدمات الضرورية للسكان. ولهذا يمكن القول إنّ الشيء الوحيد المتوافر حالياً في المدينة وبكثرة هو القمامة والنفايات.
نفايات طبية
وحذر جوان سليمان ممرض من المخاطر الصحية للقمامة والنفايات على السكان. معتبراً أن الطامة الكبرى تكمن في النفايات الطبية التي تخرج يومياً وبكميات كبيرة من المؤسسات الصحية والمستشفيات، ولا تجد من يتولى نقلها إلى خارج المدينة ومعالجتها بالطرق العلمية السليمة، من أجل الحد من الأضرار والمخاطر الناجمة عنها على السكان.
السكان يناشدون المنظمات الدولية للتدخل ريثما تعود المؤسسات الحكومية إلى العمل
مبيناً لصحيفة الحرية أن تراكم النفايات الطبية وبهذا الحجم الكبير ولفترة زمنية طويلة، في ظل ارتفاع غير مسبوق بدرجات الحرارة، ستكون له منعكسات في غاية الخطورة على حياة السكان وعلى الوضع البيئي في المدينة. من دون أن يستبعد حدوث كارثة صحية وبيئية في مدينة الحسكة وضواحيها في الفترة القريبة القادمة، إن لم تتم معالجة المشكلة، وإيجاد الحلول العلمية والفنية الصحيحة لها بأسرع وقت ممكن.
أضرار صحية متعددة
تعدّ القمامة مصدراً رئيساً للعديد من الأضرار الصحية والبيئية. حيث تشمل الأضرار الصحية انتشار الأمراض بسبب تكاثر الحشرات والقوارض، وتلوث الهواء والماء، بالإضافة إلى المخاطر الناتجة عن المواد السامة والمواد الحادة. أما الأضرار البيئية فتتمثل في تلوث التربة والمياه الجوفية، وتشويه المناظر الطبيعية، وانبعاث الغازات الدفيئة التي تسهم في تغير المناخ.
ونظراً لاستمرار إغلاق المؤسسات الحكومية في المحافظة، اكتفينا بالوقوف على رأي الخبراء الصحيين والبيئيين بهذا الأمر.
فقد أكدت الدكتورة إيمان خالد المحمد أنّ القمامة بيئة خصبة لتكاثر الحشرات والقوارض التي تنقل الأمراض للإنسان، كما أن المواد العضوية المتحللة فيها يمكن أن تكون مصدراً لتكاثر البكتيريا والفيروسات المسببة للأمراض.
مبينة لـ”الحرية” أن تحلل المواد العضوية في القمامة يطلق غازات كريهة الرائحة، بالإضافة إلى غاز “الميثان” وهو من الغازات الدفيئة التي تسهم في تغير المناخ. كما أنّ حرق القمامة يتسبب في انبعاث مواد سامة تلوث الهواء وتضر بالجهاز التنفسي.
وأضافت المحمد: إنّ السوائل الناتجة عن تحلل القمامة من الممكن أن تتسرب إلى مصادر المياه الجوفية، ما يؤدي إلى تلوثها ويجعلها غير صالحة للشرب.
موضحة أن المواد الحادة مثل الإبر والزجاج المكسور الموجودة في القمامة، قد تتسبب في جروح وإصابات للعمال وعابري الطريق، وقد تنقل الأمراض إذا كانت ملوثة.
وتوقفت الدكتورة المحمد عند النفايات الطبية، مثل الإبر والضمادات الملوثة بالدماء والسوائل الجسدية، مؤكدة أنها تشكل خطراً كبيراً على عمال النظافة والعاملين في مجال الرعاية الصحية، حيث يمكن أن تنقل الأمراض المعدية مثل التهاب الكبد وفيروس نقص المناعة البشرية.
تلوث التربة والمياه
أما الخبير البيئي نضال حميدي، فذكر أن تسرب السوائل من القمامة إلى التربة، يؤدي إلى تلويثها وتغيير خصائصها الكيميائية والفيزيائية، ما يؤثر على نمو النباتات وقدرتها على امتصاص العناصر الغذائية.
ويمكن أن تتسرب السوائل من القمامة إلى المياه الجوفية والسطحية، ما يلوثها ويضر بالكائنات الحية التي تعيش فيها، كما أن رمي النفايات في الأنهار والبحار يلوث المسطحات المائية.
مبيناً لـ”الحرية” أن وجود القمامة في الأماكن العامة يشوه المنظر العام ويقلل من جمال البيئة، كما أن تراكم النفايات في مكبات النفايات يشوه المناظر الطبيعية ويسبب انبعاث روائح كريهة ويسهم غاز “الميثان” الذي ينتج عن تحلل المواد العضوية في القمامة – وهو من الغازات الدفيئة – في تغير المناخ وظاهرة الاحتباس الحراري التي تشكل مصدر قلق للعالم أجمع.
وأضاف حميدي: إنّ الحيوانات البرية قد تتأذى هي الأخرى من القمامة، إما بالابتلاع العرضي للنفايات أو بالتعرض للمواد السامة.
مناشدة في مكانها
وناشد سكان مدينة الحسكة المنظمات الدولية العاملة في المجال الإغاثي بالمحافظة، بالتدخل العاجل لحل مشكلة تراكم القمامة والنفايات في المدينة. من خلال تنفيذ مشاريع لجمع النفايات الصلبة من الشوارع والساحات ونقلها إلى المكبات الموجودة خارج المدينة.
مثل المشروع الذي سبق أن نفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP في مدينة الحسكة و 3 مدن أخرى في وقت سابق من العام الحالي، لمدة 4 أشهر، بدت فيها الحسكة وشقيقاتها القامشلي والعريشة والقحطانية بأبهى حلة، شوارعها وساحاتها نظيفة، وسكانها مرتاحون ومطمئنون. ومن الإنجازات المهمة التي حققها ذلك المشروع، تجميع أكثر من 400 م3 من النفايات الصلبة يومياً من الشوارع والساحات، ونقلها إلى المكبات الرئيسة الموجودة خارج تلك المدن. علاوة على تأمين نحو 333 فرصة عمل بين مشرفين وعمال برواتب جيدة.
إذ يرى السكان أن هذا الحل هو الأنجع في الظروف الحالية التي تمر بها المحافظة، ريثما تعود المؤسسات الحكومية فيها إلى العمل كالمعتاد، وتقديم الخدمات للسكان في مختلف المجالات.