الحماية الذكية للمنتج المحلي: خطوة نحو تعزيز الاقتصاد الوطني في ظل التحديات الحالية

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – سامي عيسى:

تحظى الحماية الذكية للمنتج المحلي باهتمام كبير من الحكومة والجهات المعنية، بالإضافة إلى الخبراء في مجالات الزراعة والصناعة، هذا الاهتمام ليس جديداً، حيث تم اتخاذ العديد من الإجراءات لتشجيع الإنتاج المحلي، بعضها نجح في تحقيق أهدافه بينما تعثر البعض الآخر، وفي ظل التحديات الاقتصادية الحالية، يدعو الخبراء إلى ضرورة تبني سياسات فعالة، أبرزها تطبيق “الحماية الذكية”، التي تهدف إلى تعزيز قدرة القطاعات الإنتاجية على التكيف مع التغيرات السريعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي والمنافسة الشرسة التي تفرضها أسواق السوق الحر.

((ينصح خبير اقتصادي بتطبيق الحماية الذكية لمساعدة قطاع الإنتاج للتأقلم مع الانفتاح وطبيعة اقتصاد السوق الحر، فما هي هذه الحماية؟ وكيف يمكن تطبيقها على الاقتصاد السوري؟ وما هي النتائج المتوقعة؟))

تضحية رأسمالية مؤقتة

من هنا خبراء الاقتصاد وأهل الدراية بظروف الأزمة وصعوباتها، وجدوا ضرورة الحماية بصورة منطقية وعقلانية، والمقصود هنا المستوردات لا غيرها، فالخبير الاقتصادي الدكتور “فادي عياش” في بداية حديثه لصحيفتنا “الحرية” أشار إلى أن تكاليف خسائر إيرادات تطبيق السياسات الحمائية “دعم الإنتاج المحلي ودعم الصادرات الصناعية” تغطيها عادة الإيرادات الناجمة عن تقييد الاستيراد، وتخفيض عجز الميزان التجاري، وعجز الموازنة بشكل غير مباشر، وبالتالي تعتبر هذه التكاليف عبارة عن “تضحية رأسمالية مؤقتة” أي إنفاق استثماري وليس جارياً تحقق مكاسب اقتصادية أكبر على مستوى الاقتصاد الكلي.

اعتماد إستراتيجيات الميزة التنافسية

أي يمكن توجيه كل أو جزء من إيرادات الإجراءات الحمائية (الرسوم– الضميمة– الضرائب وغيرها لتمويل دعم الإنتاج المحلي والصادرات، وهذا يستوجب تطبيق مفاهيم الحماية الذكية من الحكومة، واعتماد “استراتيجيات الميزة التنافسية” لتعزيز القدرة التنافسية من شركاتنا للتأقلم المناسب مع مفاهيم اقتصاد السوق الحر، بما يضمن استمرار الإنتاج المحلي، وزيادة الإنتاجية والجودة، وزيادة تنافسية الإنتاج المحلي في الأسواق المحلية والخارجية.
ويرى “عياش” أن الحل الأنسب لمساعدة شركاتنا على سرعة التأقلم مع الانفتاح الاقتصادي وطبيعة اقتصاد السوق الحر، هو تطبيق مفهوم الحماية الذكية، فكافة اقتصادات العالم تفرض أساليب حمائية لمنتجاتها ولأهداف متعددة.

إجراءات محدودة ومحددة قطاعياً “كمياً وزمنياً”

فالحماية الذكية هي إجراءات محدودة ومحددة قطاعياً -كمياً وزمنياً- وتستهدف الإنتاج المحلي وفق شروط محددة، منها على سبيل المثال:
المنتجات ذات الميزة التنافسية العالية، والقادرة على منافسة المنتجات المستوردة محلياً، والمنافسة في الأسواق الدولية، لا سيما في قطاعات الصناعات الكيميائية والغذائية والنسيجية، إلى جانب المنتجات التي تحقق تكامل سلاسل القيمة المضافة، وتتضمن مستويات التشغيل، والمحتوى التقني وتحقق نسبة المحتوى المحلي.
أيضاً الإنتاج القادر على الإحلال كبدائل مستوردات كماً ونوعاً، والصناعات الناشئة المعتمدة على مفاهيم ريادة الأعمال أي الابتكار– المبادرة– المغامرة والمخاطرة- الثروة والتكنولوجيا المتقدمة وتطبيقاتها، والصناعات المرتبطة بمتطلبات إعادة الإعمار.
وأوضح “عياش” أن القاعدة الأساسية في الحماية الذكية تقوم على مساعدة الضعيف ليقوى، والمريض ليتعافى، والصغير ليكبر، والغائب ليعود، وذلك وفق أولويات تنموية بمفهوم “العائد الاجتماعي والمنفعة القومية” ثم تنتهي بعد تحقيق ذلك.

حماية مشروطة حسب الفئات

فالحماية الذكية للإنتاج المحلي تكون مشروطة ومحدودة ومحددة، فهي تُمنح للصغير لكن لمدة محددة كي يكبر، وتكون مخصصة للصناعات الناشئة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وفق معايير تنموية محددة، أي تلك التي تعتمد على مفاهيم ريادة الأعمال والقدرة على النمو، والتشبيك والتكامل أيضاً، وهي مخصصة للصناعات التي تعرضت للدمار وفق نفس المحددات التنموية، وللبعيد والغائب حتى يعود، وهي تتعلق بالصناعيين المهاجرين لتشجيعهم على العودة والانطلاق، وبذلك تكون الحماية مؤقتة ومرهونة بالنتائج التنموية والعائد الاجتماعي والقومي منها.

أشكال متعددة تتناسب مع طبيعة القطاعات

ويرى “عياش” أن هناك أشكالاً متعددة للحماية تتناسب مع طبيعة كل قطاع منها:
عوائق جمركية (رسوم- ضميمة عالية على المستوردات) التي يتوفر بدائل محلية لها من حيث الكم والنوع والسعر، ورفع معدلات الرسوم على السلع الكمالية، وسلع الرفاهية والصناعات الملوثة للبيئة حتى 40% .
أيضاً دعم مخرجات الإنتاج الصناعي، عوضاً عن دعم المدخلات، كما في السلع الأساسية، والتي تحتكر الحكومة توزيعها، وكلما أمكن ذلك، فدعم المخرجات يقلل من الفساد والهدر، ويضمن العدالة بوصول الدعم إلى مستحقيه، وتحقيق غاياته في تنمية الصناعة المحلية.
ومن جوانب الحماية أيضاً دعم الصادرات، وهذا يكون من خلال تمويل وتأمين دراسات الأسواق الدولية، وإتاحة المعلومات للصناعيين المصدرين، وتغطية المشاركة في المعارض الخارجية، من حيث كلفة الأجنحة، ورسوم الاشتراك حتى 80 % للمشاركين عند توقيع عقود تصدير، وتطبيق تقنيات دعم التكاليف لعقود التصدير الموقعة وطيلة فترة تنفيذ العقد، بحيث يغطي الدعم قيمة التكاليف الثابتة على الأقل وبنسبة لا تقل عن 20%.

إجراءات حمائية مشجعة

ويضيف الخبير “عياش” على الإجراءات المذكورة، إجراءات أخرى تتعلق بتغطية نفقات إجراءات التصدير، المتعلقة بتنفيذ عقود التصدير، والتفاوض لإعادة تفعيل اتفاقية 1 EURO مع الاتحاد الأوروبي، وتأسيس جهة متخصصة ذات اعتمادية دولية في مطابقة الجودة، لضمان مطابقة الصادرات للمعايير المطلوبة، للحفاظ على سمعة المنتج السوري. تفعيل الإدخال المؤقت بغرض إعادة التصدير، وتجميد العمل بتعهد إعادة القطع خلال فترة 3 سنوات، والسماح بتمويل مستوردات القطاع الصناعي من أي مصادر تمويل متاحة، ومزايا وإعفاءات ضريبية، أيضاً مرتبطة بأولويات تنموية محدد وليست عامة أو شاملة، إلى جانب تسهيلات ائتمانية وتمويلية محصورة بتمويل الإنتاج حصراً، وتيسير إجراءات كلها يمكن أن تطبق بشكل تدريجي، متزايد أو متناقص، أو كشرائح بحسب الغاية والنتائج الفعلية المحققة.
كما يجب اعتماد مفهوم “منافسة الدولة” للنفاذ إلى الأسواق الدولية، وذلك لتعزيز قدرات الشركات السورية في الولوج إلى الأسواق الدولية، وكذلك تطبيق مفهوم “العلامة التجارية الجغرافية” ولاسيما للمنتجات التي نمتلك فيها مزايا تنافسية مطلقة أو مزايا نسبية عالية.
يذكر أن الحكومة اتخذت منذ بداية التحرير مجموعة من الإجراءات لحماية المنتج المحلي وخاصة الصناعي الذي يعتمد في مكوناته الرئيسية على الموارد المحلية، منها رسوم جمركية وضريبية، الى جانب إجراءات إدارية للتخفيف من الروتين وأبواب الهدر والفساد.

Leave a Comment
آخر الأخبار