الحرية – بشرى سمير:
يُعدّ فصل الخريف من أجمل فصول السنة، ويمكن عدّه فصلاً اجتماعياً لطيفاً، نظراً لعودة الناس إلى روتينهم اليومي بعد الصيف، وعودة الأطفال إلى المدارس، ما يُعزز التواصل الاجتماعي والتفاعل، كما يُسهم اعتدال الطقس في تشجيع الأنشطة الاجتماعية والخارجية مثل التنزه، وتجمع الأصدقاء، وممارسة الرياضة، وخاصة المشي، على الرغم من أن البعض قد يفضلون العزلة في هذا الفصل.
فصل الاعتدال المناخي
تقول الباحثة الاجتماعية مها العلي إن فصل الخريف هو فصل الاعتدال في كل شيء، فبعد فترة الإجازات الصيفية للمدارس والجامعات، وإجازات الوظائف الطويلة، يعود الناس إلى حياتهم اليومية وروتينهم المعتاد، بما في ذلك عودة الأطفال إلى المدارس والجامعات، ما يؤدي إلى زيادة الفرص للتواصل والالتقاء بالأصدقاء وزملاء الدراسة.
ولفتت العلي إلى أن الطقس المعتدل في الخريف يُشجع على الخروج من المنزل وممارسة الأنشطة الاجتماعية مثل المشي في الحدائق، والتجمعات العائلية، والنزهات أو السهرات المسائية. وهو فصل ممتاز للتجمعات وتحضير المؤونة، نظراً لطقسه اللطيف نسبياً، والمناسبة التي يوفرها للاستعداد لفصل الشتاء.
مواسم الحصاد
غالباً ما يرتبط الخريف بمواسم الحصاد وتوفر العديد من أنواع الفواكه والخضراوات التي يمكن جمعها وتخزينها، ما يعزز مفهوم المؤونة ويجعلها نشاطاً اجتماعياً أيضاً.
وغالباً ما يعود المسافرون من إجازاتهم، وتصبح فرصة اللقاءات الاجتماعية والتواصل بين الأصدقاء والعائلة أكثر حضوراً.
ومن الناحية الفكرية والذهنية، ترى العلي أن فصل الخريف يمنح الإنسان فرصة للتأمل فيما حققه من أهداف، أو فيما يطمح إلى تحقيقه من أهداف جديدة، وهي عملية قد تتم بشكل جماعي من خلال النقاش مع العائلة والأصدقاء.
الرغبة في العزلة
لكن العلي لم تنفِ أن هناك من يجد في فصل الخريف رغبة في الوحدة والعزلة، خاصة مع انخفاض ساعات النهار وزيادة إفراز هرمون الميلاتونين. فقد يؤثر الانخفاض في التعرض لأشعة الشمس على المزاج، ما يؤدي إلى الشعور بالحزن أو التعب، وهو ما قد يؤثر على المشاركة الاجتماعية.
أمثال شعبية
هناك العديد من الأمثال الشعبية التي تُقال في فصل الخريف، أبرزها:
– «هوا الخريف بخلي القوي ضعيف» ويُضرب هذا المثل في وصف تقلبات الطقس في الخريف، وكيف أن الرياح فيه يمكن أن تسبب الأمراض والنزلات الصدرية.
– «برد الخريف توقاه.. وبرد الربيع تلقاه» ويشير إلى ضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة خلال برد الخريف لأنه يُعد مقدمة لبرد الربيع.
– «إن تخن الخريف أبشر بالرغيف» ويعني أن سمك أوراق شجرة الخريف يدل على موسم قمح جيد ومميز، وهو ما يبشر بوفرة المحصول.
– «في آخر تشرين ودّع العنب والتين» ويشير إلى انتهاء موسم الثمار الصيفية كالعنب والتين مع نهاية فصل الخريف، وهو وقت بدء ظهور الحمضيات وثمار الشتاء.
الهدوء والتأمل
وفي الختام، يمكن القول إن الخريف هو فصل يجمع بين الجمال المادي والطبيعي، من ألوان الأشجار الذهبية والبرتقالية، إلى نسيم الهواء المنعش ورائحة الأرض الماطرة، وبين المشاعر النفسية العميقة من الحنين والهدوء والتأمل في دورة الحياة من التغيير والسقوط إلى التجدد والنمو.
فهو فصل ذو معانٍ متعددة تتجاوز مجرد تغير الطقس، لتشمل الفنون والثقافة والروحانية. حيث تكتسي الأشجار بألوان دافئة مثل الأصفر والبرتقالي والأحمر، محولةً المناظر الطبيعية إلى لوحات فنية آسرة. تتمايل الأوراق المتساقطة في رقصة أخيرة قبل أن تستقر، مكونةً مشهداً بصرياً غنياً وجميلاً. كما يتميز فصل الخريف بنسيمه البارد المنعش ورائحة الأرض الرطبة بعد المطر، ما يخلق أجواءً مميزة.
مصدر إلهام فني
يُستخدم الخريف في الشعر والأدب كرمز للتغيير والتأمل، ويُلهم الفنانين لخلق أعمال فنية تعكس سحر هذا الفصل وارتباطه بالطبيعة والإنسان، ويقول الشاعر سليمان العيسى في وصف فصل الخريف:
ورقات تطفر في الدرب
والغيمة شقراء الهدب
والريح أناشيد.. والنهر تجاعيد
يا غيمة يا أم المطر.. الأرض اشتاقت فانهمري
والفصل خريف.. عدنا عدنا بدفاترنا
بأغانينا وبشائرنا
البسمة في شفتي.. ما أحلى مدرستي والفصل خريف