الحرية – محمد فرحة:
كما كان متوقعاً قبل شهرين من الآن، فإن محصولي القمح والشعير وبقية الزراعات الشتوية لم تؤتِ ثمارها هذا العام، وستكون خسائر المزارعين مضاعفة ومركبة من كل النواحي، فهم زرعوا وبالغوا في تنفيذ الخطة من جراء المغريات والمحفزات التي قدمتها الحكومة، وأبدت استعدادها لتقديم كل ما هو مطلوب ومن شأنه أن يجعل الإنتاج مزدهراً، وظناً منهم بأن سعر الشراء هذا العام سيكون مختلفاً عن الأعوام السابقة، زد على ذلك، فقد تم توزيع بذار القمح والأسمدة عليهم بالدَّين الآجل وهذا ما كانوا ينشدونه.
لكن المتغيرات المناخية هذا العام فاقت التصور والتوقع رغم أن كل الدراسات والأبحاث والتنبؤات الجوية كانت قد حذرت من شدّة المتغيرات المناخية وقسوتها، فكان ما حصل وسيأتي.
اليوم مزارعو سهل الغاب يبحثون عن مربّي المواشي والقطعان من أجل أن «يضمّنوا» ما زرعوه من قمح وشعير وجلبان وغير ذلك، نظراً لعدم توافر المياه في السدود من جهة، ومن جهة ثانية لعدم تمكنهم من مواصلة مراحل نضج المحصول وسقايته من آبارهم الارتوازية نظراً لارتفاع أسعار المحروقات أولاً وانخفاض مناسيب المياه في تلك الآبار ، ما أصاب المحصول بالتقزم والاصفرار الواضح.
وتشي المعلومات القادمة والصادمة من هناك وعلى لسان المزارعين بأن يتم «تضمين» الدونم المزروع قمحاً أو جلبانة أو شعيراً بـ٧٥ ألف ليرة، وفي أحسن الأحوال بمئة ألف ليرة، وهو الذي تعدت تكلفة زراعته عن المليون ليرة وزيادة على ذلك، وفقاً للمهندس المزارع مشهور أحمد.
مشيراً إلى ارتفاع نسبة الأضرار وأن الخسائر تقدر بالمليارات، فأي كارثة أصابت الفلاحين واقتصادنا هذا العام، وقد قيل لنا بأن الوحدات الإرشادية ستقوم بمعاينة الواقع وتقدير الأضرار؟.
قسوة الجفاف هذه لم تتأذَّ منها سوريا وحدها، فها هم جيراننا العراقيون يعانون بشدة من جراء انخفاض الواردات المائية في نهري دجلة والفرات، ما يقوّض وضعهم الزراعي وثروتهم الحيوانية أيضاً.
لكن انطلاقاً من ألا نرى النقطة السوداء فقط على اللوحة ونقول هذه هي الصورة كاملة، فهناك مساحات قد تكون جيدة شكلاً ويتوقع إنتاجاً مقبولاً منها، فهناك مزارعون مقتدرون على تقديم كل ما يحتاجه المحصول وقد فعلوا ذلك، ومع ذلك لا يقدرون الإنتاج بأن يكون كما المشتهى المطلوب.
المشرف الزراعي في الرابطة الفلاحية بمصياف عماد حسن في دردشة قصيرة معه، أوضح أن المحصول ليس على ما يرام بالمطلق، ليس في مجال منطقة الغاب فحسب، وإنما في مجال منطقة مصياف أيضاً كما هو الحال في «جب رملة وأصيلة وحنجور» وغربهما وشرقهما، فهو الأسوأ منذ سنوات.
وزاد على ذلك بأن الجفاف هذا العام فعل فعلته وكان تأثيره واضحاً ومميزاً، ولذلك سيكون الإنتاج هو الأدنى، رغم أن بعض المزارعين لم يقصروا في سقاية محصولهم، لكنهم ليسوا الأغلبية فهم الأقلية.
الخلاصة: لا أحد يستطيع أن يقلّل مما لحق بمحصول القمح والشعير والجلبان وكل الزراعات البعلية وحتى المروية منها، فشدّة الجفاف والتغيُّر المناخي البيئي المتطرف سيلحقان الضَرَرَ الكبير هذا العام بالإنتاج الزراعي، وقد تنبه المزارعون إلى ذلك فقاموا بـ«تضمين» محاصيلهم بمبالغ زهيدة قياساً مع تكلفة الدونم الواحد علَّهم يعوضون جزءاً من خسائرهم، وما زال الأمل معقوداً على المساحات القليلة التي تعيش وضعاً جيداً بأن يكون مردودها جيداً.
وقد سبق أن حذرت كل المنظمات الدولية من خطورة أثر التغيّر المناخي على كل المكونات الطبيعية من جراء انخفاض الواردات المائية باعتبارها «أماً وأباً» للغذاء .