الحرية- رنا بغدان:
تميز الأمويون في تطوير العمارة الإسلامية وتأسيس فن معماري جديد له طابع خاص مشتق من عدة فنون, وتأثرت الزخارف التي استخدموها في قصورهم بأصول كلاسيكية، ساسانية، وبيزنطية.. فاعتبرت الأساس الذي قام عليه فن “الأربيسك” فيما بعد لتبقى هذه الأوابد شاهداً على عراقة وأصالة الحضارة العربية على مدى الزمان.
ويعدّ “قصر الخضراء” في دمشق أول قصر عربي البناء يشيّد في بلاد الشام ويصفه “ابن كثير” فيقول: “كان غاية الإحكام والإتقان وطيب الغناء ونزهة المجلس، وحسن النظر”،
ووصفه “الأصفهاني” بأنه “قصر تحفُّ به حدائق غناء ويطل على السهل المخصب الممتد إلى الجنوب الغربي حتى جبل الشيخ الذي يُشاهد من دمشق, وكان فيه كرسي الخلافة وهو مربع الجوانب تستره الوسائد المطرزة الفخمة..”. وبذلك ينوّه “الأصفهاني” أن معاوية كان أول من استعمل كرسي الحكم عند العرب, كما كان قد أحدث في الجامع مقصورة هي الأولى في بناء الجوامع وجعلها مقاماً للصلاة خاصاً به.
وتروي أخبار الأصفهانى “ولقد أصاب الخراب القصر في نهاية العصر الأموي، ثم التهمته النار في عصر الفاطميين..”, وقال ابن كثير “وبادت الخضراء فصارت كوماً من تراب”.. وبقيت المنطقة التي كان فيها تحمل اسم “الخضراء” حتى اليوم إلى أن أقيم على جزء منها عام (1163هـ/ 1749 م) “قصر العظم” الذي أصبح متحفاً للتقاليد الشعبية والصناعات اليدوية.
اتخذ “قصر الخضراء” اسمه من القبة الخضراء فيه والتي بناها الخليفة معاوية بن أبي سفيان مع القصر على أنقاض قصر قديم أيام ولايته في دمشق ليدير من خلاله شؤون الحكم, وكان الحيّ الذي يقع غربه يدعى بـ”حارة القِباب” نظراً لتواجد عدد من القصور الأمويّة فيه. ويقع القصر قبلي الجامع الأموي الكبير في المكان المحاذي لجداره من الجهة الجنوبية، وكان القصر يتصل بحرم الجامع من خلال باب يطلق عليه اسم “باب الخضراء” وكان بمثابة باب خاصّ للخليفة وحده يدخل منه من قصره إلى الجامع الواقع في القسم الشرقي للمعبد القديم مروراً برواق يصل بينهما من الجنوب إلى الشمال وهو في الأصل أحد الفتحات الثلاث لـ”معبد جوبيتر الدمشقي”, كما أطلق عليه تسمية “باب السر” لأن الخلفاء أصبحوا فيما بعد يدخلون منه إلى الجامع من دون أن يراهم أحد, فقد كان مجلس الخليفة في القاعة أو القاعتين الواقعتين في الجهة الغربية من الجامع في قلب مدينة دمشق القديمة.
سكن معاوية “قصر الخضراء” أربعين سنة كما يقول “ابن كثير” وعرف أنه “صرف على بنائه وزخرفته وأثاثه الأموال الطائلة، وأن له قبة عظيمة لونها أخضر، وأن أرضه فرشت بالمرمر..”.
كما يذكر “ابن عساكر” في تاريخه عن دمشق، رواية يقول فيها:
“إن معاوية بن أبي سفيان بنى البنيان بالطوب، فلما فرغ منها، قدم عليه رسول ملك الروم، فنظر إليها فقال معاوية: كيف ترى هذا البنيان. قال: أما أعلاه فللعصافير، وأما أسفله فللنار. قال: فنقضها معاوية وبناها من الحجارة”, وأصبحت قصر الحكم الأموي الأول وبقي قائماً وسط دمشق القديمة يستعمله الخلفاء الأمويون فيما بعد، فلقد اشترى عبد الملك بن مروان هذا القصر من خالد بن يزيد بن معاوية، وجعله دار الإمارة كما يروي ابن عساكر، وكان الثمن “أربعين ألف دينار وأربع ضياع اختارها في فلسطين والأردن ودمشق وحمص بأربعة أجناد من الشام”.