الحرية – منال الشرع:
تشكل عملية تحرير سوريا وتغيير نظام الحكم فيها نقطة تحول جيوسياسي تاريخية، أعادت رسم خريطة القوى والتحالفات في المنطقة.
كما يوضح الخبير الاقتصادي فاخر القربي، فإن هذه التغيرات الدراماتيكية ذات “الطاقة الحركية العالية” قد خلقت ديناميكيات جديدة محفزة للفرص والتحديات على حدٍّ سواء، ما يستدعي تحليلاً عميقاً للتداعيات المترتبة عليها.
المحور الأول: الأبعاد الداخلية للتحول السوري
1. إعادة تعريف الهوية والدور الجيوسياسي
تتمحور الدلالات الجيوسياسية لتحرير سوريا حول تغير موازين القوى الإقليمية وتأثير ذلك على التحالفات ومستقبل إعادة الإعمار وإعادة تعريف دور سوريا كفاعل جيوسياسي. يشمل ذلك مواجهة التأثيرات الخارجية وبناء علاقات دبلوماسية متوازنة بدلًا من الاعتماد على قوة واحدة وإعادة توجيه مصالح القوى الكبرى نحو تحقيق الاستقرار في سوريا.
2.أسس بناء الدولة المستقبلية
وفقاً للخبير فاخر القربي، فإن عملية التغيير شكلت ديناميكية فاعلة، ويمكن النظر إلى ما أنشأته هذه التغيرات الديناميكية عالية الطاقة من محفّزات وعوامل تأثير فاعلة في إستراتيجيات وسياسات دول البيئة الجيوسياسية الحيوية المحيطة بسوريا بوصفها عوامل تغيير حقيقية تحمل الفرص والتحديات لمختلف اللاعبين في هذه البيئة.
• الشرعية الداخلية: يتطلب بناء الشرعية الداخلية القوية والحصول على الدعم الشعبي بناء نظام حكم يضمن مشاركة سياسية وطنية وتوفير الخدمات الأساسية وتحقيق العدالة والشفافية.
• إعادة الإعمار: تعدّ مرحلة إعادة الإعمار فرصة لتعزيز العلاقات الاستثمارية مع دول مثل روسيا بشرط وجود ضوابط تضمن السيادة.
• عودة اللاجئين: يجب أن تكون سوريا مستقرة بما يكفي لاستيعاب اللاجئين الذين يجب تمكينهم من المساهمة في إعادة الإعمار، وذلك بالتعاون مع المجتمع الدولي.
المحور الثاني: تداعيات التحول على دول الجوار الجغرافي
1. تركيا: الفائز الإستراتيجي الأكبر
يحلل الخبير فاخر القربي وضع تركيا قائلاً: “فعلى صعيد الدولة التركية فهي تعدّ بالمفهوم الجيوسياسي الدولة الأكثر رعاية واطمئناناً بل واستعداداً للتحوّل السوري الجديد”. وتكمن مصلحة تركيا في:
• تأمين حدودها الجنوبية إستراتيجياً.
• تعزيز الشراكة الاقتصادية والتبادل التجاري بعشرات المليارات من الدولارات.
• استعادة سوريا كمعبر للتصدير إلى الأردن ودول الخليج ولبنان.
2. إيران: ضربة إستراتيجية وفرصة للتكيف
يشير الخبير فاخر القربي إلى أن “التغيير قد شكّل ضربة قوية للمقاربات السياسية والإستراتيجية التي استندت إليها إيران منذ الربيع العربي عام 2011”. ورغم ذلك، فإن رسائل القادة الجدد فتحت المجال لإيران لإعادة تأهيل سياستها، وقد تجد في الاستقرار الجديد في سوريا فرصاً اقتصادية أوسع.
3.لبنان: ارتياح واستقرار وفرص اقتصادية
يلاحظ الخبير فاخر القربي أنه “على صعيد الحالة اللبنانية فإن دولة لبنان تشعر بالارتياح من زاوية الدولة والسيادة بعد سقوط النظام السوري السابق”. كما أن هذا التحول:
• أضعف نفوذ وقوّة تجّار المخدرات والمافيات اللبنانية والسورية.
• أعطى الفرصة لانتعاش الاقتصاد بين الطرفين.
• فتح المجال للعودة الآمنة للاجئين السوريين.
• يقدم فرصة لتأمين الحدود وتطوير حالة الطاقة والكهرباء المتأزمة في لبنان عبر سوريا.
المحور الثالث: امتدادات التأثير في المحيط الإقليمي الأوسع
1. الأردن: تحقيق المصالح الإستراتيجية
يفترض أن ينظر الأردن إلى هذا التغيير بوصفه فرصة سانحة وتاريخية لـ:
• استعادة دوره الاقتصادي والسياسي والأمن لحدوده الشمالية مع سوريا.
• إعفائه من أن تكون سوريا معبراً للتهديدات من قبل الميليشيات والمجموعات المتطرفة.
• استعادة التبادل التجاري وتوسيعه بين البلدين لدرجة التكامل.
• استخدام سوريا كمعبر للتجارة التركية إلى الأردن وإلى دول الخليج.
2 . العراق: فرصة ذهبية لإعادة التموضع
يوفّر التغيير في سوريا فرصة ذهبية للعراق للاستدارة تجاه العلاقة مع سوريا لتقوم على أساس:
• الاحترام المتبادل والتكامل التجاري والاقتصادي والصناعي.
• الحفاظ على السلامة الأمنية على الحدود.
• تحجيم التدخلات الإيرانية في الشؤون العراقية الداخلية.
• استعادة استقلال الاقتصاد العراقي وفرص التوسع والتبادل مع الأردن وسوريا.
3. إسرائيل: حالة من القلق والعدوانية
يحذر الخبير فاخر القربي من أن “إسرائيل قد شعرت بخطورة التحوّل الجديد”، حيث قامت بـ:
• عمليات عسكرية متكررة وانتهاكات للسيادة السورية.
• إنهاء اتفاق فك الاشتباك لعام 1974 من جانب واحد.
• احتلال المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل.
• محاولات لفرض الأمر الواقع والضغط على القيادة السورية الجديدة للتطبيع.
سوريا الجديدة… بين فرص الاستقرار وتحديات البناء
يخلص الخبير فاخر القربي إلى أن التحول في سوريا حمل في طياته التحديات والفرص لمختلف دول البيئة الجيوسياسية المحيطة، وأن انعكاساته على هذه الدول ستعتمد على قدرتها على:
1. الاعتراف بالوضع الجديد أولاً.
2. التعامل مع الدولة السورية والاعتراف بالمصالح المتبادلة.
3. إعانة سوريا على تجاوز حالة اللجوء.
4. المساهمة في إعادة الإعمار وبناء الاقتصاد.
5. الالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية.
كما يشكل هذا التحول نموذجاً محفزاً للتغيير الداخلي في دول الجوار، نحو تعزيز الديمقراطية والحريات ومشاركة جميع مكونات المجتمع في إدارة شؤون البلاد.