الذهب الخامس: ثورة جديدة في عالم المجوهرات

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – الهام عثمان:

يشهد السوق العالمي اليوم ثورة جديدة قد تقلب الموازين في صياغة المجوهرات في العالم، والتي قد تهز عرش العملة الأميركية- وهذا ليس ضرباً من الخيال، بل هو ما تحاول الصين تحقيقه عبر ابتكارها الجديد “الذهب الصافي الصلب” أو ما يعرف شعبياً بـ “الذهب الخامس”.
واللافت في هذا الابتكار، أن الأمر لا يتعلق فقط بصناعة حلي أكثر بريقاً، بل بقلب موازين القوة في الاقتصاد العالمي، حيث تتحول ورش الصياغة إلى ساحات جديدة للمواجهة الجيوسياسية، فهل أصبحت مختبرات الذهب الصينية ساحة خفية لمواجهة الهيمنة الأمريكية؟

خبير اقتصادي: إنجاز تكنولوجي في مواجهة التحديات التقليدية

إنجاز تكنولوجي في مواجهة التحديات التقليدية

 الخبير الاقتصادي والمدرب الدولي في التنمية البشرية فادي حمد، كشف في حوار مع “الحرية”، أن هذا الابتكار لا يمثل اكتشافاً لمعدن جديد، بل هو قفزة تكنولوجية متقدمة في معالجة الذهب الخالص، وأوضح أن العلماء الصينيين نجحوا في تطوير تقنيات، منها التشكيل الكهربائي، لتحويل الذهب عيار 24 (بنقاء 99.9%) من معدن لين إلى مادة فائقة الصلادة.

حيث بين حمد أن هذا الابتكار يعد نقلة نوعية في الجمع بين خصائص غير مسبوقة، فمن جهة يحافظ “الذهب الصافي الصلب” على نقاء الذهب عيار 24 الكامل، بينما تصل صلادته إلى أربعة أضعاف صلابة الذهب التقليدي، ما يجعله مقاوماً للخدوش بشكل استثنائي، هذه الميزة الفريدة تفتح آفاقاً جديدة لتصاميم المجوهرات، ما يتيح إنتاج قطع أكثر جرأة وخفة تحمل مزايا الذهب الخالص بصلابة تضاهي الذهب عيار 18.
وقد لاقى المنتج رواجاً هائلاً، حيث يشكل ما بين 20% إلى 25% من مبيعات المجوهرات الذهبية في الصين بعد أشهر قليلة من طرحه وفق رأي حمد.

بين التهديد والفرصة

وسط هذا الرواج، برزت تساؤلات عما إذا كان هذا الابتكار سيؤدي إلى انهيار أسعار الذهب العالمية؟ إلا أن الخبير حمد يرى أن هذا الادعاء “مبالغ فيه وغير دقيق”، مشيراً إلى أن أسعار الذهب العالمية تُحدد بعوامل اقتصادية كلية، مثل سياسات البنوك المركزية والطلب الاستثماري الضخم، وليس فقط الطلب الاستهلاكي على المجوهرات، لافتاً إلى أن الذهب الخامس لا يزيد المعروض العالمي من الذهب الخام، بل قد يدعم الأسعار بزيادة جاذبية الذهب الخالص في أسواق تفضله مثل آسيا والشرق الأوسط.

“عصفورين بحجر”

على الصعيد الإستراتيجي، يخدم هذا الابتكار رؤية الصين الأوسع على مستويات عدة، هذا ما بينه حمد، فمن ناحية، يعزز المكانة الصناعية والتجارية من خلال ترسيخ صورة الذهب الصيني كرمز للجودة والابتكار، وفتح أسواق التصدير بمنتج متفوق ليس للذهب فقط بل للمعدات الصناعية التي صقلت وحولت هذا المعدن وبالتالي قبول كبير على شرائها من قبل الدول الأخرى، ومن ناحية أخرى، يخدم أهدافاً إستراتيجية غير مباشرة من خلال تعزيز الطلب على الذهب الخالص كأصل قيمي، في إطار المساعي الصينية الأوسع لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي.

البعد الخفي للابتكار الصيني

وهنا تكشف الواقعية التحليلية عن استراتيجية صينية عميقة في هذا المجال، تَبْنِي عليها سياساتها الاقتصادية والعليا بهدف تحصيل أكبر حصة ممكنة من الذهب العالمي، حسب رأي حمد، فالتخفيض بنسبة 20% في السوق، مع غياب الشوائب، يخلق سوقاً ذهبياً منفتحاً وقابلاً للاندماج مع ذهب الدول الأخرى، حيث تدرك الصين بدقة خصائص المعادن المدمجة مع الذهب بتقنية “زيرو شوائب”، فإنها في تلك الحال.. تستطيع جني الذهب الصافي وإعادة خلطه بهذه التقنية المتطورة لتسويقه عالمياً.

وأن هذا التوجه يجد سوقاً ضخماً في الدول التي تعتبر الذهب زينة ومفاخرة كدول الخليج، حيث تسعى الصين لتوجيه الأنظار نحو تقنيات الدمج الحديثة الخالية من الشوائب، وإمكانية تقسية الذهب عيار 24.

قابل للتسرب

وهنا مكمن التحدي، ووفق رؤيا حمد، فإن صعوبة كشف هذا الذهب المدمج، مع وجود الدمغة الرسمية، يجعله قابلاً للتسرب عبر السوق السوداء وبيعه على أنه ذهب صاف، من دون أن يتمكن المشتري من تمييزه، ما يثير مخاوف جدية في أسواق الذهب التقليدية.

قرار المستهلك في الميزان

فيما يتعلق بجدوى “الذهب الخامس” كبديل للمستهلك، يقدم الخبير حمد رؤية واضحة تعتمد على سياق الشراء والهدف منه.
وهنا أ شار إلى أنه إذا كان الهدف الأساسي هو الادخار، فإن الذهب الاستثماري التقليدي يظل الخيار الأمثل، حيث يتميز بأقل تكلفة مصنعية ويضمن أعلى قيمة استرداد وسيولة في السوق.

أما إذا كان الهدف هو الزينة والاستخدام اليومي، فإن الذهب الصافي الصلب يعد خياراً ممتازاً نظراً لمتانته العالية وتصاميمه الخفيفة، شريطة أن تحظى هذه القطع باعتراف أسواق الصاغة المحلية لضمان إمكانية بيعها مستقبلاً دون خسائر كبيرة.

خلاصة إستراتيجية

تُظهر ثورة الذهب الخامس أن الابتكار الصيني في مجال المجوهرات يتجاوز كونه تطوراً تقنياً ليصبح أداة إستراتيجية في المعادلة الاقتصادية العالمية، فبينما لا يشكل بحد ذاته تهديداً مباشراً لهيمنة الدولار، إلا أنه يعمل ضمن نسق إستراتيجي أوسع تسعى فيه الصين إلى إعادة رسم خريطة القوى في النظام المالي العالمي.

وختم حمد حواره مبيناً أن قرار المستهلك في اقتناء الذهب الخامس مرتبطاً بالغاية من الشراء، مفضلاً أن يكون الادخار للذهب التقليدي، والزينة بالذهب المبتكر.

Leave a Comment
آخر الأخبار