الرئيس الشرع في الدوحة.. السياسة والثقافة والرياضة في رسالة واحدة

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – أمين سليم الدريوسي:

وصل الرئيس أحمد الشرع إلى العاصمة القطرية الدوحة للمشاركة في أعمال منتدى الدوحة 2025، في زيارة رسمية رافقه خلالها وزير الخارجية والمغتربين أسعد حسن الشيباني ووزير التعليم العالي والبحث العلمي مروان الحلبي، ومنذ لحظة الإعلان عن الزيارة، بدا واضحاً أنها تحمل دلالات سياسية تتجاوز الطابع البروتوكولي المعتاد، فهي تعكس عودة سوريا إلى واجهة الأحداث الدولية بعد سنوات من العزلة التي فرضها النظام البائد، وتؤكد أن القيادة الجديدة تسعى إلى إعادة إدماج البلاد في محيطها العربي والدولي عبر حضور فاعل في المحافل الكبرى.
ومع انطلاق المنتدى تحت شعار «ترسيخ العدالة من الوعود إلى الواقع الملموس»، كان الحضور السوري بارزاً، حيث التقى الرئيس الشرع أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في لقاء اتسم بالدفء السياسي وأظهر رغبة مشتركة في تعزيز التعاون العربي والإقليمي، هذه المشاركة لم تكن مجرد حضور شكلي، بل جاءت لتؤكد أن دمشق باتت جزءاً من النقاشات الكبرى حول العدالة والسلام والأمن، وأن صوتها حاضر في صياغة الرؤى المستقبلية للمنطقة، بما يعكس انتقال سوريا من موقع المتلقي إلى موقع الشريك في صناعة القرار الدولي.
وفي خطوة تعكس دينامية المرحلة السياسية الجديدة التي تشهدها سوريا، التقى الرئيس برياض حجاب في حوار يحمل رسائل انفتاح وتواصل عميق. ولم يقتصر الأمر على البعد السياسي، بل امتد ليشهد عقد اجتماع استراتيجي مع وفد غرفة تجارة وصناعة قطر برئاسة سعادة الشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني، حيث ناقش الجانبان آفاق التعاون الاقتصادي الواسعة وفتح قنوات مبتكرة لدعم مشاريع إعادة الإعمار، في إدراك مشترك لأهمية الاقتصاد كركيزة أساسية للاستقرار المستدام.
كما شهدت الزيارة جلسة عمل مثمرة مع رابطة رجال الأعمال القطريين برئاسة سعادة الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني، سلطت الضوء على فرص الاستثمار المشترك الواعدة وسبل تعزيز الشراكات الحيوية بين القطاع الخاص في البلدين.
ولم تقتصر زيارة الرئيس الشرع إلى الدوحة على الجانب السياسي فحسب، بل اتسعت لتشمل أنشطة ذات طابع ثقافي ورياضي وإعلامي، في دلالة على انفتاح متعدد الأبعاد للحكومة السورية الجديدة، فقد شكّل حضوره بطولة العالم للخيل العربية إلى جانب أمير قطر حدثاً ذا رمزية خاصة، جمع بين التراث العربي الأصيل والبعد الدبلوماسي، فيما عكس لقاؤه بعثة المنتخب الوطني السوري لكرة القدم المشاركة في كأس العرب 2025 إدراكاً لأهمية الرياضة كجسر يوحّد السوريين ويعزز روح الانتماء الوطني، هذا التنوّع في الأنشطة يبرز أن سوريا تسعى إلى إعادة تقديم نفسها للعالم ليس فقط كفاعل سياسي، بل كدولة تحمل مشروعاً ثقافياً ومجتمعياً متكاملاً.
وكان للبعد الروحي والثقافي حضور بارز في برنامج الزيارة، حيث التقى الرئيس الشرع فضيلة الشيخ محمد كريم الراجح، شيخ قرّاء الشام، في منزله بالدوحة، في لقاء يذكّر بمكانة العلماء والمفكرين ودورهم في صياغة الوعي الجمعي وإعادة بناء الهوية الوطنية، هذا البعد الروحي أضفى على الزيارة معنى يتجاوز السياسة المباشرة، ليؤكد أن مشروع التعافي السوري يقوم أيضاً على إعادة وصل المجتمع بجذوره الفكرية والدينية.
وفي امتداد لهذا الانفتاح، زار الرئيس مقر قناة الجزيرة والتقى مديرها العام الشيخ ناصر بن فيصل آل ثاني، حيث اطّلع على أقسام الشبكة وآليات عملها الإعلامي، في إشارة واضحة إلى إدراك أهمية الإعلام كأداة لصناعة الرأي العام وتشكيل صورة سوريا الجديدة أمام العالم.
هذان النشاطان، الروحي والإعلامي، يبرزان أن سوريا تسعى إلى إعادة بناء حضورها عبر مزيج من القيم الثقافية والدينية، إلى جانب أدوات التأثير الحديثة، بما يعكس رؤية شاملة لإعادة إدماجها في محيطها العربي والدولي.
هذه اللقاءات متعددة المستويات حوّلت زيارة الرئيس الشرع من مجرد حضور دبلوماسي إلى منصة عمل استباقية، تبلور رؤية عملية واضحة لمرحلة التعافي وإعادة البناء، تقوم على الدمج الاستراتيجي بين الجسور السياسية والجسور الاقتصادية، لتكون رحلة الدوحة محطة فارغة نحو شراكات أكثر متانة وأفق إقليمي أكثر استقراراً.
ومن هنا يمكن قراءة هذه الزيارة على أنها رسالة متعددة الأبعاد: فهي من جهة تؤكد أن سوريا تسعى لتثبيت حضورها في الساحة الدولية عبر المشاركة في المحافل الكبرى، ومن جهة أخرى تعكس انفتاحها على محيطها العربي والإقليمي من خلال لقاءات تجمع بين السياسة والثقافة والرياضة والإعلام، والأهم أنها تحمل دلالات إيجابية على أن مرحلة ما بعد الحرب تتجه نحو إعادة بناء العلاقات وتعزيز صورة سوريا كدولة فاعلة، قادرة على الجمع بين البعد السياسي والمجتمعي في آن واحد.

خلاصة القول إن زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى الدوحة لم تكن مجرد محطة دبلوماسية، بل جسّدت عودة سوريا إلى المشهد الدولي والعربي، وأظهرت أن دمشق لا تكتفي بالمشاركة الرسمية، بل تسعى إلى بناء شبكة علاقات واسعة ومتنوعة، في مسار يعزز حضورها ويهيئ الطريق نحو مرحلة جديدة من التعافي والانفتاح.

Leave a Comment
آخر الأخبار