الحرية – مها سلطان:
حتى يوم أمس كان الحديث المتداول أن الرئيس أحمد الشرع قد يزور السعودية منتصف نيسان الجاري، أي في غضون أسبوع من الآن، ثم جاء بيان وزارة الخارجية مساء أمس ليعلن أن جدول الزيارات الخارجية للرئيس الشرع يتضمن زيارتين الأسبوع المقبل: إلى تركيا أولاً، ومنها إلى الإمارات، لكن هذا لا يعني أن الشرع لن يزور السعودية، فتبعاً للتطورات المتسارعة في سوريا والإقليم لا بد أن يمتد جدول الزيارات، وقد ينتقل الرئيس الشرع من الإمارات إلى السعودية، أو يعود إلى دمشق لفترة أيام قليلة ثم يتوجه إلى السعودية.
بيان وزارة الخارجية لم يقدم تفاصيل محددة، بما فيها اليوم المُقرر لتوجه الرئيس الشرع إلى تركيا، أو ما إذا كان هناك زيارة لاحقة للسعودية، لكن المراقبين عندما يتحدثون عن السعودية فهو حديث تستدعيه تطورات قائمة، وأخرى متوقعة بصورة تكاد تكون شبه حتمية، وهي بمجملها تطورات خطيرة (على رأسها الانتهاكات الإسرائيلية وتوسعها في المستوى والجغرافيا السورية) وهذا ما يَفرض وجود تنسيق عربي على أعلى المستويات خصوصاً من الدول العربية المركزية والمؤثرة، وهنا لا بد من الحديث عن السعودية.
هذا إلى جانب تطورات الإقليم (غزة خصوصاً ومآلات الحرب الإسرائيلية عليها) وكلها تنعكس على سوريا بصورة سلبية جداً، مع خشية لدى السوريين عموماً أن تتحول إلى مستوى كارثي في حال صدقت التوقعات حيال وجود تسويات إقليمية، يتم العمل على تمريرها، على حسابهم وبما ينتقص من سيادة بلادهم وأمنها واستقرارها.
لا شك أن جدول أعمال الزيارتين متخم بالقضايا، وهي بمجملها كبيرة وحساسة، في مرحلة مفصلية تمر بها سوريا والمنطقة. وعموماً كانت زيارة الرئيس الشرع إلى تركيا متوقعة بصورة كبيرة خصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي الواسع على عدة مناطق في سوريا في الـ2 من نيسان الجاري، والذي ربطته إسرائيل بتطور العلاقات السورية التركية إلى مستويات عسكرية تشكل خطورة عليها، لتضع العدوان في إطار رسالة مباشرة مزدوجة لكل من تركيا والقيادة السورية الجديدة. هذه المسألة ستكون على رأس جدول المباحثات لما لها من تداعيات خطيرة على سوريا وتركيا، وعلى مجمل التعاون بينهما في ظل تهديدات إسرائيل وأطماعها ومخططاتها المدعومة أميركياً حيث يأتي اللقاء المقرر اليوم بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب ضمن هذه المخططات والأطماع، في إطار ما يُعلنه نتنياهو بشكل دائم حول استكمال مهمة تغيير وجه الشرق الأوسط.
على الأكيد سيكون على جدول المباحثات مجمل قضايا التعاون، خصوصاً الاقتصادية حيث لا تزال العقوبات الغربية قائمة وبما يُعرقل مسار التنمية والإعمار واستعادة الاقتصاد، ويبدو أن المباحثات في هذا الشأن ستأخذ مدىً أوسع وأكثر تأثيراً على الأرض، على اعتبار وجود حكومة سورية جديدة بصورتها الرسمية، وبما يجعل مسارات التنمية تأخذ مساراتها الصحيحة.
بعد تركيا يتوجه الرئيس الشرع إلى الإمارات، كما هو مُعلن، وهي زيارة مهمة للغاية، وسبق أن صرح وزير الخارجية أسعد الشيباني أكثر من مرة بأن زيارة الشرع للإمارات ستتم (في أي وقت). وكان الشيباني زار الإمارات عدة مرات خلال الأشهر الأربعة الماضية، ضمن مروحة واسعة من التحركات والنشاطات الدبلوماسية الخارجية، عربياً ودولياً.
وتعد زيارة الشرع للإمارات الأولى له (والرابعة عربياً بعد السعودية والأردن ومصر) فيما زيارته إلى تركيا هي الثانية (الأولى كانت في 4 شباط الماضي). ورحبت الإمارات بإعلان تشكيل الحكومة السورية (في 30 آذار الماضي) مؤكدة دعمها لتطلعات الشعب السوري في تحقيق الاستقرار والازدهار. وقالت الخارجية الإماراتية في بيان: إن الإمارات تنظر بثقة إلى أنّ الحكومة الجديدة ستُلبّي متطلبات المرحلة الانتقالية، معربة عن تمنياتها لها بالتوفيق والسداد، وتطلعها إلى تعزيز العلاقات الثنائية في شتى المجالات بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين.
على الأكيد سيكون هناك تقاطع في جدول مباحثات الرئيس الشرع ما بين تركيا والإمارات، وصولاً إلى رؤى ومسارات موحدة، في ظل أن سوريا تحتاج كل دعم عربي وإقليمي في المرحلة الحالية والمقبلة، حيث تتسع وتكبر التحديات والمخاطر.
ورغم أن الكثير مما يجري في الغرف المغلقة لن يخرج بالصورة التي ترضي حالة الترقب القائمة والعامة، إلا أنّ الآمال معقودة على مسألة أن تعاظم التحديات والمخاطر ستقود إلى تعاون وتنسيق على المستوى الذاته، كون المنطقة جميعها في التحديات والمخاطر سواء بسواء.
مع ذلك ورغم القليل الذي سيخرج وفق البيانات الرسمية، أو التصريحات، يمكن رسم خطوط عريضة للنتائج، وتالياً توقع ما ستكون عليه تطورات الأيام المقبلة. لكننا دائماً بالعموم نفضل أن نقف عند مسألة عدم استباق الأحداث، وتفضيل الانتظار على قاعدة أن كل التوقعات والتحليلات تفترض جانبي الخطأ والصواب بالمقدار نفسه.. وعليه لننتظر ونرَ.