الرئيس الشرع في زيارته إلى السعودية.. وصل ما انقطع عربياً وتطلعات سياسية اقتصادية

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية- مها سلطان:

رغم أن زيارة السيد الرئيس أحمد الشرع إلى السعودية هي زيارة فائقة الأهمية والضرورة بكل المقاييس، إلا أنها – إلى جانب ذلك – تختص بميزة أو لنقل بامتياز لا يقل أهمية وضرورة ويتمثل في أن الرئيس الشرع عندما قام بزيارة السعودية لم يزرها لوحده فقط، بل أخذ معه كل السوريين بأمنياتهم وتطلعاتهم ودعائهم، نعم كل السوريين، الزيارة التي كانت متوقعة على نطاق واسع حملت اطمئناناَ إضافياً للسوريين، لناحية صوابية السياسات والتوجهات والأولويات، ولناحية أن التعويل كبير على السعودية وعلى دورها في الداخل السوري، خصوصاً عندما نتحدث بلغة الاقتصاد.. وكذلك على المستوى الدولي والتأثير الذي يمكن أن تمارسه في سبيل توسيع الانفتاح على سوريا الجديدة، خصوصاً مسألة رفع العقوبات، باعتبارها الرافعة الأساسية لأي نهضة اقتصادية.

استثمار الانفتاح السياسي لاستعادة الاقتصاد

وسبق لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن كشف الشهر الماضي خلال زيارته دمشق أن بلاده «تعمل بشكل منسق لرفع العقوبات» بل هي تستعجل رفعها لإتاحة الفرص أمام نهوض الاقتصاد السوري، وبشكل عام تصدر عن السعودية رسائل إيجابية واضحة تجاه القيادة الجديدة والرئيس الشرع وما اتخذه من قرارات واجراءات حتى الآن والتي كان أجْمَلها في «خطاب النصر» قبل أيام، وحسب الوزير بن فرحان فإن بلاده «تثمن ما تقوم بها الإدارة الجديدة من خطوات إيجابية» في الداخل، وهناك تفاؤل بأن «الشعب السوري سيَعبر هذه المرحلة التاريخية والحساسة بنجاح لتحقيق مستقبل زاهر يسوده الاستقرار والرخاء».

على هذه الأرضية الواعدة، تأتي زيارة الرئيس الشرع للسعودية، وسبق له أن صرح، غير مرة، بأنه يتطلع إلى النموذج السعودي/الخليجي في التنمية، مؤكداً أن «السعودية وضعت خططاً جريئة جداً ولديها رؤية تنموية نتطلع إليها، ولا شك أن هناك تقاطعات كثيرة مع ما نصبو إليه، ويمكن أن نلتقي عندها، سواء من تعاون اقتصادي أو تنموي أو غير ذلك».

لا يَخفى في هذا السياق أن الزيارة اكتسبت دفعاً داخلياً مسبقاً بعد أول خطاب للرئيس الشرع وجهه للسوريين قبل أيام وما زالت أصداؤه الإيجابية قائمة، وهي بلا شك أصداء سبقته إلى السعودية (وكل الدول العربية والإقليمية التي احتضنت قيادته وأرسلت تباعاً برقيات التهنئة له بعد تنصيبه رئيساً». نجاح الرئيس الشرع في استقطاب السوريين- ومن أول خطاب- سيكون له تأثير واسع وعميق في مجمل النشاط السياسي/الاقتصادي المستقبلي، هذا من جهة.. ومن جهة ثانية في سياق بناء الدولة واستعادة سورية واحدة موحدة شعباً وأرضاً.

علامة فارقة لبداية جديدة على مستوى العلاقات السورية – العربية

الاستقطاب الداخلي والأصداء الإيجابية لم تنسحب فقط على الخطاب، بل انسحبت على كامل النشاط السياسي للرئيس الشرع، خصوصاً في الأيام القليلة ما قبل زيارته للسعودية، تابع السوريين باهتمام كبير كيف انهمك رئيسهم في استقبال الوفود العربية والأجنبية التي لم تتوقف عن القدوم إلى دمشق منذ التحرير في 8 كانون الأول الماضي، لقد أظهر الرئيس الشرع حرصاً على إيلاء كل لقاء مع ضيف أو وفد، كامل الاهتمام المستحق، بل كان ظاهراً بصورة كبيرة جداً حرصه على كل التفاصيل، وبشكل تظهر معه سوريا الجديدة بأحسن صورة، وبشكل يتم فيه توجيه رسائل محددة، لا لبس فيها، بأن سوريا تفتح عهداً جديداً وهي حريصة على علاقات سليمة وصحيّة مع الجميع.

يُجمع المحللون على أن زيارة الرئيس الشرع إلى السعودية، وهي الزيارة الخارجية الأولى له، هي علامة فارقة لبداية جديدة على مستوى العلاقات السورية العربية، لكن هذه الزيارة عملياً هي أبعد مدى في المطلوب والمأمول، باعتبار أن السوريين ينظرون إلى السعودية كـ«نموذج ملهم» وفق تعبير وزير الخارجية أسعد الشيباني أمام منتدى دافوس مؤخراً، وقد وجد السوريون في هذا التعبير، وصفاً واقعياً لما تمثله السعودية من جهة، ولمستوى التطلعات والآمال تجاه السعودية ودورها، سواء على المستوى السياسي وتأثيره على الاستقرار الداخلي، أو على المستوى الاقتصادي وتأثيره على تعزيز هذا الاستقرار.

الشرعية الشعبية أكسبت الرئيس شرعية عربية -دولية

وإذا كان المحللون والمراقبون لا يكفّون عن حديث التحديات والصعوبات الهائلة التي تعترض رئاسة الشرع، فإنهم بالمقابل يتحدثون عن سياسي يعرف مساره وما يريده، متمهل، متأني، ميّال إلى درس الأمور بعمق قبل أن يًقدم على أي خطوة، وهذا ما يدفع إلى التفاؤل كون سوريا تحتاج فعلاَ إلى هكذا رئيس في هذه المرحلة المفصلية من تاريخها.

كل هذا كان حاضر في زيارته للسعودية والتي- كما يبدو من التقارير المسربة- أن زيارات أخرى ستعقبها مباشرة، ربما الزيارة المقبلة إلى تركيا أو غيرها، لكن الترجيح الأكبر هو زيارة تركيا بعد السعودية، وهنا يحضر حديث «اقتناص الفرص» القائمة، مع حديث التحديات والصعوبات، فإذا ما توجه الرئيس الشرع إلى تركيا فإنه هنا يستثمر في التوافق التركي الخليجي

القائم والذي كان حاضراً منذ بداية التحرير قبل شهرين في دعم القيادة السورية الجديدة التي لاقت هذا الدعم بإجراءات وقرارات كانت محط اهتمام وترحيب وتفاؤل، وخصوصاً أن قرارات القيادة الجديدة وإجراءاتها، وفي مقدمها ما تضمنه خطاب النصر للرئيس الشرع، حازت قبول ورضى السواد الأعظم من السوريين، ما يعني امتلاك الرئيس الشرع الشرعية الشعبية لرئاسته من جهة، ولقراراته من جهة ثانية، وهذا أمر كان محط مراقبة من قبل الجميع، بل كان على رأس قائمة المطلوب من القيادة الجديدة، ومن الرئيس الشرع حيث أن الشرعية الشعبية أكسبته بالمقابل شرعية عربية/دولية، وهو كل ما يحتاجه أي رئيس في أي بلد حول العالم لتحقيق برامجه ورؤيته، وأيضاً وعوده التي يطلقها، وعلى أساسها ينطلق في مهامه، وهو ما كان وسيكون من أمر الرئيس الشرع باتجاه سوريا المستقبل، الدولة والمؤسسات، والموحدة على كامل الجغرافيا، وعلى قاعدة الهوية الوطنية الجامعة.

Leave a Comment
آخر الأخبار