الحرية – مها سلطان:
بعد خمسة أيام على إرسائه، سجل اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء ثباتاً مهماً يوسع التفاؤل، حيث لا خروق تسجل- حتى الآن – من ذلك النوع الذي يقود إلى إسقاطه، وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى الضبط عالي المستوى الذي أبدته الدولة تجاه الخروقات، والتعنت، والانقلاب على المواقف الذي أدى إلى اتخاذ الاشتباكات مساراً انعكس على الأرض بمشهد مقلق.
بالتوازي لا يزال الحراك الدبلوماسي الإقليمي/الأمريكي، نشطاً لمنع سقوط الاتفاق، حيث شهد اليوم الخميس لقاء بين وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في العاصمة الأمريكية واشنطن لبحث «تطورات المنطقة والوضع في سوريا والأمن الإقليمي» وفق بيان لوزارة الخارجية الأميركية الذي أضاف أيضاً أنه تم «بحث الاتفاق الثلاثي بين الولايات المتحدة والأردن وسوريا للحفاظ على وقف إطلاق النار في سوريا» والتشديد على «ضرورة الحوار لمعالجة الأزمة الحالية في جنوب سوريا، وحماية المدنيين من جميع الأطراف».
المنتدى الاستثماري السوري- السعودي بحضوره الاقتصادي الوازن أدعى لأن يتوقف السوريون عنده وأن يفهموا رسالته فيلتفون حول الدولة ويكونون عوناً لجهودها في سبيل بناء سوريا وتحصينها على أسس سليمة
بالتوازي أيضاً كانت هناك رسالة مهمة لجميع السوريين أن المرحلة الحساسة و الخطرة التي تمر بها المنطقة (والعالم) تتطلب منهم التكاتف تحت سقف الوطن الواحد والهوية السورية الجامعة، وليس تحت سقف الولاءات الضيّقة والهويات المذهبية، وأن الدولة هي الأساس في إرساء السلم الأهلي وترسيخ عملية البناء والنهوض، وليس الانزواء في مناطقية بغيضة والاستقواء بالخارج.
كانت هذه رسالة المنتدى الاستثماري السوري السعودي الذي انطلق اليوم من دمشق بثقل ثنائي (عربي) ورصيد وازن من 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم، بقيمة إجمالية تقارب 24 مليار ريال سعودي (حوالي 6.4 مليارات دولار).
هذا الحضور السعودي الكبير والمهم، على المستوى الاقتصادي، أدعى لأن يتوقف السوريون عنده، وأن يفهموا رسالته، فيلتفون حول الدولة ويكونون عوناً لمساعيها التي لا تتوقف، داخلياً وخارجياً، في سبيل بناء سوريا وتحصينها على أسس سليمة، فتكون على مستوى المكانة والقوة التي تستحق. وهو أيضاً رسالة «إلى من يعنيه الأمر» بأن الدعم السعودي (الخليجي) متين ومتواصل، وسيتخذ في المرحلة المقبلة مسارات عملية أوسع وأسرع، ليلاقي جهود الدولة في إرساء الأمن والاستقرار والانطلاق في عملية التنمية والإعمار.
تثقيل السعودية لدورها الاقتصادي هو رسالة «إلى من يعنيه الأمر» بأن الدعم السعودي/الخليجي متين ومتواصل وسيتخذ مسارات عملية أوسع وأسرع ليلاقي جهود الدولة في إرساء الأمن والاستقرار والانطلاق نحو التنمية والإعمار
الرسالة أيضاً سياسية، وليس اقتصادية فقط، فإذا كانت المعادلة الذهبية للاقتصاد وازدهاره تقوم على قاعدة الاستقرار السياسي والأمني، فلمَ لا نجرب أن نعكس المعادلة، ونخوض في المسارين معها، اقتصاد سياسي وأمن، أو أن يكون نبدأ بالاقتصاد لترسيخ السياسات، وليكون دافعاً لتعزيز الأمن، على قاعدة أن النهوض بالوضع المعيشي/الاجتماعي سيرفع عن كاهل الناس أعباء اقتصادية هائلة تثقل كاهلهم منذ عقود، وهذا سيدفعهم تالياً للدفاع عن مكتسباتهم المعيشية/الاقتصادية، فيتصدّون لأي محاولات تخريب أو تحريض باتجاه فتنة تنعكس تدميراً على الجميع، هذا من جهة.. ومن جهة ثانية الرسالة تقول أيضاً إن سوريا الجديدة ماضية في طريق النهوض والبناء وهي لن تنتظر ولن تسمح لأصحاب العقليات الأقلية الفئوية الضيقة أن تعرقل وأن تقف حجر عثرة.. هذه هي القاعدة ومن يكون خارجها سيكون وحده الخاسر.
فريق واسع من المراقبين ربط أحداث السويداء بمسارات اقتصادية، معتبراً أن لها وجهاً اقتصادياً واضحاً، حيث إن الاستقرار الأمني هو الشرط الأصعب الذي لم يتحقق بعد، ودونه فإن سوريا ستبقى رهينة المخاوف الاقتصادية التي ستغلق كل طرق الاستثمارات واستقطاب الرساميل.
سوريا الجديدة ماضية في طريق النهوض والبناء .. هذه هي القاعدة ومن يكون خارجها سيكون وحده الخاسر
من هنا بالضبط تأتي الأهمية المضاعفة للمنتدى الاستثماري السوري- السعودي، ويبدو أن القيادة السعودية، ممثلة بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أرادت لهذا المنتدى أن يكون رسالة واضحة للسوريين، وللإقليم، بأن قطار الاستثمارات في سوريا انطلق برافعة سعودية ستكون قاطرة (وضامنة) لاستثمارات أخرى ولمستثمرين سيتخلون كلياً عن التردد، ويتركون المخاوف الأمنية وراءهم، وهذا بالضبط ما تعوّل عليه الدولة السورية.
وعلى أمل أن تكون الرسالة وصلت، ينطلق ذلك التفاؤل من صمود وقف إطلاق النار في السويداء، وإن كان التفاؤل لا يزال حذراً، ولا تزال السيناريوات مفتوحة ربطاً بالإقليم، بمعنى ربطاً بأطراف تسعى للتأجيج والتحريض ومنع الاستقرار لسوريا والسوريين.
إذا كانت المعادلة الذهبية للاقتصاد قائمة الاستقرار السياسي والأمني فلمَ لا نجرب عكس المعادلة والخوض في المسارين معها أو أن نبدأ بالاقتصاد ليكون دافعاً لتعزيز الأمن على قاعدة النهوض بالوضع المعيشي/الاجتماعي
الكرة الآن في ملعب السوريين، في ملعب أهل السويداء، ما دامت الدولة تمد اليد لهم. وإذا ما اعتبرنا أن السويداء بأحداثها تمثل نموذجاً بارزاً وخطيراً، فإنها في المقابل يجب أن تكون مثالاً لكل السوريين، بأن سوريا في خطر وجودي كبير إذا ما استمرت مثل هذه الأحداث.
القيادة السعودية ممثلة بالأمير محمد بن سلمان أرادت للمنتدى أن يكون رسالة واضحة للسوريين وللإقليم بأن قطار الاستثمارات انطلق برافعة سعودية ستكون قاطرة وضامنة.. وهذا بالضبط ما تعوّل عليه الدولة السورية
إذا ما أراد السوريون الأمن والاستقرار المعيشي/الاجتماعي فإن الأولى بهم أن يلتفوا حول الدولة ومؤسساتها، فإذا كان الجميع على المستوى الدولي يتحدث عن جهودها الهائلة لتحقيق البناء والنهوض، فلمَ هنا في سوريا من ينكر ذلك ويتبنى أجندات خارجية تريد الدمار والتقسيم لسوريا؟
سؤال برسم هؤلاء المنكرين، على أمل أن تعود بوصلتهم إلى الوطن، وأن يكون الانتماء له هو الغالب.
الأيام القريبة القادمة ستكون حاسمة باتجاه الإجابة عن هذا السؤال.