الحرية يسرى المصري:
في لحظات التحول الكبرى، التي تترك أثرها على جدران التاريخ تبدو الرسوم الجمركية كمقدمة لحرب تجارية واقتصادية تهدد العالم والسؤال ما مدى تأثر سوريا بهذه الرسوم وهل يتحمل اقتصادها المأزوم أية خضّات أو اهتزازات اقتصادية ؟
ترى الحقوقية جودي زند الجديد أن الرسوم الجمركية تؤثر على سوريا بعدة طرق، خاصة في ظل الأزمة المستمرة منذ عام 2011 ومن أبرز الجوانب تأثر الإيرادات الحكومية المحدودة حيث يتوقع تراجع التحصيل على دفع الرسوم، مما يُقلل الإيرادات.
أضف الى ذلك أن استمرار العقوبات الدولية تقلل من حجم التبادل التجاري الرسمي، مما يُضعف فرص تحصيل الرسوم الجمركية.
احتمالات اندلاع حرب عملات عالمية أكثر واقعية من أي وقت مضى
وتلفت الباحثة الى توقع ارتفاع الأسعار حيث أن زيادة تكلفة الواردات التي تعتمد عليها سوريا بسبب تدهور الإنتاج المحلي. فإن فرض رسوم جمركية مرتفعة يزيد أسعار هذه السلع، مما قد يفاقم معاناة المدنيين.
كذلك التضخم مع تذبذب سعر صرف الليرة السورية، إذ قد تُساهم الرسوم المُحصَّلة بالعملة الأجنبية أو بالقيمة السوقية في رفع التكاليف على المستوردين، الذين ينقلونها للمستهلكين.
وحذرت الحقوقية زند الحديد من انتشار التهريب والاقتصاد غير الرسمي مما يحرم الحكومة من الإيرادات ويُعزز اقتصاد الظل.
وحول مدى تأثير هذه الرسوم على مشروع إعادة الأعمار لفتت الباحثة إلى أن تكلفة مواد البناء قد تزيد الرسوم على الواردات الخاصة بإعادة الإعمار (مثل الإسمنت) من تكلفة المشاريع، ما يُبطئ عملية إعادة البناء، وقد يحدث بعض التناقض بين الإيرادات والاحتياجات فقد يتم رفع الرسوم لتعزيز الإيرادات، لكن ذلك يُعارض هدف تخفيض تكاليف الإعمار.
وفيما يتعلق بالعلاقات التجارية الإقليمية والدولية قد تقوم الحكومة باحراء تفضيلات لحلفاء لدعم التحالفات السياسية، مما يؤثر على تنوع السوق.
وحول التحديات المؤسسية توقعت الباحثة أن تكون في حدودها الدنيا بسبب عزم الحكومة محاربة الفساد وضعف الرقابة التي كانت تؤدي إلى ضعف قدرة المؤسسات الرسمية وتسرب تحصيل الرسوم، مع انتشار الرشاوى وتجاوز الأنظمة.
ورأت أن توحيد النظام الجمركي بعد الاتفاق مع قسد سيوحد آليات الجمارك بين المناطق السورية مما يحفز التجارة الداخلية.
وتوقعت الباحثة أن التأثير على المساعدات الإنسانية سيكون محدوداً بسبب وجود إعفاءات جزئية فقد تُعفى بعض المنظمات الإنسانية من الرسوم، لكن التعقيدات البيروقراطية قد تؤخر وصول المساعدات أو تزيد تكاليفها.
وبالتالي في ظل وجود حكومة ذات كفاءة والسعي نحو المزيد من الاستقرار والسلم الأهلي، تُصبح الرسوم الجمركية في سوريا أداة ذات تأثير محدود، فبينما تسعى الحكومة لتعزيز إيراداتها، تتفاعل العوامل مثل تحسن الليرة وجذب الاستثمارات وتحسين الإنتاج والتخفيف من العقوبات لتقليل فعاليتها، مما يُعزز الدورة الإيجابية لإنعاش الاقتصاد.
مسار الاقتصاد العالمي
وفيما يتعلق بتحديد مسار الاقتصاد العالمي في الأشهر القادمة، فإما أن تسلك الدول طريق التفاوض، أو أن تختار استخدام أدواتها النقدية للدفاع عن مصالحها، وفي كلتا الحالتين، سيكون العالم بأسره أمام اختبار صعب لمدى قدرته على تجنب أزمة اقتصادية جديدة لن يربح فيها أحد.
وفي ظل تصاعد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وهذا أثار تكهنات في الأسواق المالية بشأن احتمال لجوء بعض الدول إلى خفض حاد لقيمة عملتها، في تحول محتمل عن سياسات سابقة ركّزت على استقرار العملة.
سلاح الصين الأقوى
لكن ماذا لو قررت الصين، كما يتوقع العديد من المحللين الاقتصاديين حول العالم، خفض قيمة اليوان كخطوة انتقامية رداً على رسوم ترامب الجمركية؟
يرى بنك ويلز فارغو الأميركي أن ثمة مخاطر حقيقية من لجوء الصين إلى خفض متعمّد لقيمة عملتها قد تصل نسبته إلى 15% خلال شهرين.
من جانبها، تتوقع مجموعة جيفريز المالية أن تقدم بكين على “خفض كبير” في قيمة اليوان قد يبلغ 30%، وترافق ذلك مع حالة تقلبات الأسواق المالية حيث انخفضت أسواق الأسهم العالمية، لا سيما في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية، كما انخفضت عملات الأسواق الناشئة رداً على الخطوة الصينية.
وتأثرت أسعار السلع والنفط فانخفض خام برنت بأكثر من 20%، مدفوعاً بمخاوف من ضعف الطلب الصيني. وأفاد انخفاض الأسعار الدول المستوردة للنفط (مثل الهند)، لكنه أضرّ بمصدري السلع مع انخفاض أسعار المنتجات والسلع الصينية.
ضغوط كبرى على الأسواق الناشئة: واجهت دول مثل الهند وفيتنام وإندونيسيا ضغوطاً تجارية كبيرة، حيث قلصت السلع الصينية الرخيصة صادراتها، وانخفضت قيمة الروبية الهندية إلى أدنى مستوى لها في عامين، وشهدت أسواق السندات تقلبات حادة.
مخاوف حرب العملات: أثار تخفيض قيمة الروبية الهندية مخاوف من نشوب حرب عملات، حيث اتهمت الولايات المتحدة الصين بالتلاعب بالعملة، ثم صنفتها رسمياً كمتلاعب بالعملة في عام 2019 (تم إلغاء هذا التصنيف لاحقاً في عام 2020).
حرب عملات
إن الطريقة التي سترد بها بكين على الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة ستكون حاسمة، ليس فقط بالنسبة للصين، بل أيضاً لشركائها التجاريين في آسيا، والأسواق العالمية على نطاق أوسع.
وأخيراً، وفي ظل تصاعد التوترات التجارية وعودة سياسات الحمائية الاقتصادية، تبدو احتمالات اندلاع حرب عملات عالمية أكثر واقعية من أي وقت مضى.