الزراعة السورية في مهبّ التغيّر المناخي.. والخطط قائمة وفق أنماط مناخية قديمة!

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية – محمد زكريا:

مع كل موسم زراعي، يواجه الفلاح السوري تحديات تتفاقم، ليست فقط بسبب الحصار الذي كان مفروضاً أو غلاء مستلزمات الإنتاج، بل أيضاً بسبب عامل أقل ظهوراً لكنه أكثر فتكاً، وهو التغير المناخي، حيث أنماط الأمطار تغيّرت، والحرارة ارتفعت، ومواسم الإنبات والنضج اضطربت، والمحاصيل باتت أكثر عرضة للفشل أو الإصابة، في وقت تغيب فيه أي خطة وطنية واضحة لتكييف الزراعة مع هذا الواقع الجديد.

ولعل الأمثلة حاضرة تطل علينا من أرض الواقع، ومنها زراعة القمح البعلي لهذا الموسم، حيث لم نستفد منها ولو بحبة قمح واحدة، ولاسيما أنه تمت زراعة آلاف الهتكارات بالقمح البعلي لهذا الموسم، والنتيجة صفر، وهذا ما ذكره مدير الاقتصاد في وزارة الزراعة الدكتور سعيد إبراهيم لبعض وسائل الإعلام المحلية.

منعكسات غير حميدة

وحسب الخبيرة الزراعية الدكتورة انتصار الجباوي، فإن التغير المناخي له عدة منعكسات على الزراعة، منها انخفاض معدلات الأمطار أو تغير توقيتها (أمطار مبكرة أو متأخرة تؤثر على الزراعة البعلية على وجه التحديد)، وأيضاً ارتفاع درجات الحرارة في الصيف والشتاء، ما يسرّع نمو المحاصيل أحياناً بشكل ضار، أو يؤدي إلى الإجهاض الزهري والتساقط، وازدياد موجات الجفاف والتصحر، وخاصة في البادية ومنطقة الجزيرة، وظهور آفات وأمراض جديدة، أو تغيّر سلوك الآفات التقليدية، مثل انتشار ديدان سوسة النخيل أو دودة الحشد الخريفية في غير موسمها، وتراجع جودة الموارد المائية وزيادة الملوحة بسبب التبخر وانخفاض المنسوب

غياب خطط التكيّف

وبينت الجباوي لصحيفتنا “الحرية” أن العديد من الدول تحركت فيها وزارات الزراعة لمواكبة التغير المناخي، وذلك عبر تعديل الروزنامة الزراعية، وتطوير أصناف مقاومة للجفاف والحرارة، وإنشاء أنظمة إنذار مبكر، ودعم تقنيات حصاد المياه والزراعة الحافظة على الموارد، لكن في سوريا وحسب رأي الخبيرة الجباوي، فإن السياسات الزراعية لا تزال تعمل وفق أنماط مناخية قديمة، دون تحديث حقيقي لخطط الإنتاج أو دعم الفلاح بوسائل التكيّف.

الواقع كما يراه الفلاحون

موضحة أن ما نواجهه اليوم ليس مجرد موسم صعب، بل تغير جذري في المناخ الزراعي للبلاد، وبالتالي التأخير في التصدي له، يعني خسائر مستمرة لا يمكن تعويضها.

كما أضافت : ببساطة الفلاح يحصد ما لم يزرعه، لأن الأرض تتغير. ومشكلتنا أننا لا نغيّر معها، ما زلنا نزرع القمح في موعده القديم، ونروي كما كنا نفعل قبل عشرين عاماً، بينما السماء والمناخ والمياه، كلها تغيّرت..!

المطلوب فعله اليوم قبل الغد؟

الجباوي نوهت بضرورة تطوير خريطة زراعية جديدة مبنية على التغيرات المناخية، وإدخال أصناف متأقلمة مع الحرارة والجفاف بالتعاون مع البحوث الزراعية، وضرورة تحديث تقاويم الزراعة ومواعيد الزرع والحصاد، إضافة إلى تدريب الفلاحين على الممارسات الزراعية المرنة، مع تشجيع الزراعة الحافظة (Conservation Agriculture) وتقنيات ترشيد المياه، وإطلاق نظام إنذار مبكر للمخاطر المناخية والآفات المرتبطة بها.

التكيّف مسألة بقاء

إذا استمرت الزراعة السورية بالعمل وفق منطق “المعتاد”، فإنها ستخسر المعركة أمام مناخ لا يعود أبداً إلى الوراء، كما أننا بحاجة إلى إعلان وطني عاجل للتكيّف الزراعي مع التغير المناخي، تُشرك فيه المؤسسات العلمية والفلاحين وصنّاع القرار، قبل أن تسبقنا الكارثة بخطوات لا يمكن اللحاق بها.

Leave a Comment
آخر الأخبار