الحرية- رشا عيسى:
تشكّل ورشة العمل التحضيرية التي أطلقتها اليوم وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، قاعدةً أساسيةً للانطلاق نحو وضع أسس إعداد الخطة الإستراتيجية للوزارة، بهدف إيصال هذا القطاع إلى الضفة الأكثر أماناً، والتي تسمح لسوريا الجديدة بإعادة امتلاك مواردها الزراعية وترميمها ثم تطويرها وتحقيق التنمية المستدامة.
وأبدى المشاركون تقاطعاً ثابتاً عند المصالح الزراعية، في إشارةٍ واضحةٍ إلى العمل على تجاوز الثغرات السابقة في التخطيط، وبعض القوانين المعيقة للعمل مثل القانون 40، والتي يراها المشاركون مقدمة لإنشاء أسسٍ مستقبليةٍ للعمل واستغلال الفرص والثروات المتاحة.
ورغم أن الحماس كبيرٌ، لا يخفي الفريق الزراعي مخاوفه من سلسلة الوقائع السلبية على الأرض، بدءاً من ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج وشح المياه، مروراً بالتعديات على الأراضي الزراعية، وتهجير المزارعين من أراضيهم، وصولاً إلى تدمير البنية التحتية الزراعية، وبقاء التصنيع الزراعي بحدوده الدنيا، وغياب الاستثمار العربي والدولي عن الساحة الزراعية السورية.
مرحلةٌ حاسمةٌ
وخلال افتتاح الورشة أكد وزير الزراعة الدكتور محمد طه الأحمد أن الورشة تأتي في مرحلة حاسمة من تاريخ سوريا، وتتطلب تضافر الجهود، وتوحيد الرؤى، للخروج برؤيةٍ مستقبليةٍ قادرةٍ على النهوض بقطاع الزراعة، وتحقيق التنمية المستدامة، لبناء سوريا الجديدة.
الأحمد: تأتي الورشة في مرحلة حاسمة من تاريخ سوريا وتتطلب تضافر الجهود
وشرح الأحمد طبيعة الورشة التشاركية التي اكتملت بجهود العديد من الباحثين بالتعاون مع (الفاو)، لتكون اللبنة الأولى في صياغة إستراتيجية شاملة لتطوير القطاع الزراعي بعنوان “من التحديات إلى الفرص نحو خطة إستراتيجية زراعية شاملة”، والتي تهدف لتحويل التحديات الراهنة إلى فرص مستدامة لبناء قطاع زراعي قوي يدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مبيناً أن الزراعة في سوريا ليست مجرد قطاع اقتصادي، بل هي جزءٌ لا يتجزأ من الهوية والتاريخ، ومصدرٌ رئيسيٌ للغذاء والاستقرار، لافتاً إلى حجم التحديات التي يواجهها القطاع الزراعي التي تثقل كاهله، وتعوق مسيرته نحو الازدهار، وتترك بصمات عميقة على حياة الفلاحين والأمن الغذائي للبلاد بأسرها.
دمجٌ للوزارات
وأوضح الوزير الأحمد أن هذه التحديات والتي معظمها موروث من الماضي، كارتفاع تكاليف الإنتاج، وضعف البنى التحتية وضعف التسويق والإرشاد الزراعي، وبعضها الآخر، هو نتيجة الحربٌ الضروسٌ التي أتت على الأخضر واليابس.
ولفت إلى أن المسؤولية عظيمة، مع الإيمان أن هذا القطاع يذخر بإمكانات هائلة يمكن استغلالها لإعادته لمكانه الذي يستحقه، ليكون ركيزة أساسية لإعادة بناء سوريا، كاشفاً عن الاتجاه لدمج الوزارات المعنية بتطوير القطاع الزراعي معاً، كوزارتي الزراعة والموارد المائية وإعادة هيئة الأرصاد الجوية إلى الزراعة لتقوم بدورها الحقيقي في خدمة هذا القطاع.
نقاط الإستراتيجية
وشرح الأحمد الإستراتيجية الزراعية التي تقوم على المبادئ والقيم الأساسية وأهمها النهج المكاني، وذلك باعتماد مقاربة تنموية متكاملة تأخذ في الاعتبار خصوصية المناطق الزراعية المختلفة، بما يضمن تحقيق تنمية متوازنة تراعي الموارد المتاحة والاحتياجات الفعلية لكل منطقة.
الأحمد: الشمولية والدمج الاجتماعي محور عمل أساسي
إضافة إلى الشمولية والدمج الاجتماعي: وذلك بضمان إشراك جميع الفئات الفاعلة في المجتمع، بمن في ذلك صغار المزارعين، النساء، والشباب، وتعزيز دورهم في تحقيق التنمية الزراعية المستدامة.
وثالثاً، الاستدامة البيئية: من خلال تطبيق ممارسات زراعية مستدامة تحافظ على التنوع البيولوجي، وتحد من تدهور الأراضي، وتعزز الإدارة الرشيدة للموارد الطبيعية، مع التكيف مع تحديات التغير المناخي.
كذلك التكامل بين القطاعات: والتركيز على تعزيز التنسيق والتكامل بين القطاعات المختلفة، مثل الزراعة، المياه، الطاقة، والاقتصاد الريفي، لضمان نهج تنموي متكامل يعزز من كفاءة واستدامة القطاع الزراعي.
الأحمد: التخطيط القائم على الأدلة والبيانات هدف رئيسي
والتخطيط القائم على الأدلة والبيانات: وسيتم تطوير السياسات والبرامج الزراعية بناءً على تحليل دقيق للبيانات والمعلومات الحديثة، لضمان اتخاذ قرارات مستنيرة تعزز من كفاءة الموارد وتحقيق الأهداف المنشودة.
كما توجد الشراكة والتعاون: مع المنظمات الدولية، الشركاء التنمويين، القطاع الخاص، والمجتمع المدني، لضمان تحقيق نهضة زراعية قائمة على الاستثمار المشترك، وتبادل المعرفة، وبناء القدرات.
وأخيراً، تعزيز سبل العيش والرفاه الاقتصادي: ودعم الاقتصاد الريفي من خلال تطوير سلاسل القيمة الزراعية، وتحسين الفرص الاقتصادية للمجتمعات المحلية، بما يساهم في تحقيق تعافٍ اقتصادي مستدام.
وأشار الأحمد إلى أن الالتزام بهذه المبادئ والقيم لا يعكس فقط رؤيتنا لمستقبل زراعي مزدهر، بل يؤكد حرصنا على العمل وفق نهج متكامل يضمن تنمية مستدامة وشاملة، بالتعاون مع الشركاء الدوليين والإقليميين.
استعدادٌ للتشاركية
بدوره، عبر ممثل منظمة الفاو طوني العتل عن سعادته لرؤية هذا الاستعداد للعمل المشترك لصياغة رؤية إستراتيجية لوزارة الزراعة لتحقيق النهوض بالقطاع الزراعي ومساعدته على الاستجابة لمتطلبات المرحلة الراهنة التي تشهدها الجمهورية العربية السورية.
العتل: تضافر جميع الخبرات والجهود يساعد في تحقيق ما نصبو إليه
وبيّن أنه رغم إدراك منظمة الأغذية والزراعة حساسية هذه المرحلة التي تفرض تحديات جمة على مختلف الصعد، الاقتصادية والاجتماعية والحوكمية والتغيرات المناخية، إلا أنها على ثقة كبيرة بأن التعاون بين جميع الشركاء المعنيين وتضافر جميع الخبرات والجهود سوف يساعد في تحقيق ما نصبو إليه جميعاً، معبراً عن استعداد الفاو لتقديم الدعم الكامل وعلى كل المستويات لوزارة الزراعة والتي يشكل أولها إقامة ورشة العمل هذه التي نأمل أن تشكل بذرة العمل لدعم القطاع الزراعي ليستعيد عافيته الاقتصادية ودوره الاجتماعي.
وبين أن الفرصة كبيرة لإعادة بناء القطاع الزراعي وإعادة تأهيل الأنظمة الغذائية الزراعية لتصبح أكثر فعالية اقتصادية وأكثر شمولية اجتماعية، وأكثر تأقلماً مع التغيرات المناخية، ما يتطلب تحديث السياسات والخطط المبنية على بيانات حديثة وإنشاء جمعيات تعاونية زراعية ربحية موجهة للسوق والتشاركية مع القطاع الخاص. مؤكداً عدم إغفال الحاجة لبناء قدرات العاملين في القطاع الزراعي لتمكينهم من مواجهة التحديات التي تواجه سوريا بشكل خاص، وكذلك التحديات العالمية التي تواجهها كباقي الدول الأخرى مثل عزوف الشباب عن العمل الزراعي بالإضافة إلى التغيرات المناخية التي لا تعترف بالحدود.
العتل: الفرصة كبيرة لإعادة بناء القطاع الزراعي وتأهيل الأنظمة الغذائية
وأوضح العتل أن الحديث عن الأنظمة الغذائية الزراعية، لا يعني الحديث فقط عن العملية الإنتاجية الزراعية، عن التصنيع والتسويق والاستهلاك والنقل، إضافة إلى دور المجتمعات المحلية وسلاسل القيمة والتنمية الريفية ودرء المخاطر ونظم الإنذار المبكر، وأيضاً عن الغابات والمراعي والبادية والثروة السمكية وما إلى ذلك.
عدم توقف الحياة
من جهته المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الزراعية البروفيسور إبراهيم آدم أحمد الدخيري أكد أن للمنظمة أدبيات تسعى عبرها إلى وضع أسس هذه الخطة،موضحاً أن سوريا تتغير ،ورغم المرحلة الانتقالية لم تتوقف الحياة في وزارة الزراعة، والحديث مبشر وسط اهتمام بالوصول إلى وضع مستقر تكتمل فيه الدراسات والخطط.
قاطرةٌ للزراعة
بدوره أوضح أمين عام الاتحاد العربي للصناعات الغذائية الدكتور فادي جبر أن الاهتمام بالنظم الغذائية في سوريا يدل أن العمل غير متوقف، ومشاركتنا لوضع نظم غذائية وسلسلة غذائية مكتملة، ورؤية لتطوير الصناعات الغذائية خاصة أن الصناعة الغذائية قاطرة للزراعة ومطورة لهذا القطاع بشقيه النباتي والحيواني، متمنياً عودة المنتجات السورية لتحتل مكانتها في الأسواق العربية، مثل المجففات والصابون الحلبي وغيرها، مبيناً وضع الخبرات والمستشارين الموجودين في الوطن العربي خدمة لهذا لموضوع المنتج وتحسين وفق المعايير المحددة، مع وجود لجنتين في سوريا هما لجنة الحبوب والألبان، مشيراً إلى وضع الكوادر كافة بهذين القطاعين في الخدمة.
الفرص والتحديات
وقدم مدير الاقتصاد والتخطيط الزراعي في الوزارة الدكتور سعيد ابراهيم عرضاً مفصلاً عن الواقع الزراعي، شارحاً الفرص والتحديات، مؤكداً أن الميزة الأبرز لهذا القطاع بأنه مصدر دخل لشريحةٍ واسعةٍ بشكل مباشر أو غير مباشر، ويعد حجر الأساس لتطوير الطلب المحلي من الغذاء، ومسهماً أكبر في الميزان التجاري، وركيزةً لتحقيق أبرز أهداف التنمية المستدامة، مشيراً إلى أن مشاركة القطاع الزراعي في الناتج المحلي لاتتعدى 17% وهي نسبةٌ منخفضةٌ مقارنةً بالقوة العامة.
ويتضمن برنامج الورشة مجموعة عناوين، ستتم مناقشتها على مدى يومين، وسط حضورٍ واسعٍ للمنظمات المعنية، وشخصياتٍ عربيةٍ وأجنبيةٍ، وكوكبة من الباحثين والمختصين في الشأن الزراعي وذلك بفندق الشام في دمشق.