الحرية- لوريس عمران:
يواصل مزارعو ريف جبلة الحديث عن تجربتهم الزراعية الجديدة، حيث بدأت تشق طريقها في أراضيهم وهي زراعة الزعفران.
وأكد معظم المزارعين أنّهم تمكنوا من الحصول على كمية محدودة من الأبصال المعدة للبيع، موضحين أنّ الكيلوغرام الواحد يباع بسعر 250 ألف ليرة سورية ويضم ما بين مئتين إلى مئتين وخمسين بصيلة بأحجام مختلفة.
من جهته أشار أبو حازم أحد المزارعين في قرية بشراغي لصحيفتنا “الحرية” إلى أنّ المتر المربع الواحد يتسع وسطياً لستين بصيلة، وأنّ أنسب موعد للزراعة في منطقتهم هو النصف الأول من أيلول، لتتفتح الأزهار في النصف الأول من تشرين الثاني. مبيناً أنّ الأبصال يمكن أن تبقى في الأرض خمس سنوات متواصلة مع زيادة في المحصول عاماً بعد عام.
ويضيف أبو حازم أنّ من يرغب في التوسع يستطيع قلع الأبصال في شهر حزيران، حيث تنتج كل بصيلة من ثلاث إلى سبع بصيلات جديدة تبعاً لمستوى الخدمة والرعاية. مؤكداً أنّ العناية المطلوبة محدودة للغاية، إذ يكفي استخدام السماد الطبيعي مرة واحدة عند الزراعة، فيما تتم السقاية كل خمسة عشر يوماً فقط، ولا سيما أنّ النمو يتم في فصل الشتاء، حيث تقل الحاجة إلى الماء.
مناخ الساحل يهيئ الظروف لنجاح المحصول
حول الجانب الفني لهذه التجربة، أكد المهندس الزراعي ياسر العلي أنّ مناخ الساحل السوري مناسب تماماً لنبات الزعفران، وأنّ طبيعة التربة الطينية الخفيفة في قرى جبلة تساعد على نجاح هذه الزراعة. موضحاً أنّ إدخال هذا النوع من المحاصيل يسهم في تنويع الإنتاج الزراعي المحلي ويتيح للمزارعين فرصة لتحقيق مردود مرتفع من مساحات صغيرة، وخاصة أنّ الزعفران من الزراعات عالية القيمة العالمية.
قيمة اقتصادية عالمية تفتح أبواب التصدير
الدكتور علي ميا الخبير الاقتصادي في جامعة اللاذقية رأى أنّ إدخال الزعفران إلى ريف جبلة يتجاوز كونه مجرد تجربة زراعية، فهو يشكل رافعة اقتصادية حقيقية إذا جرى تنظيمه وتسويقه بالشكل الأمثل. موضحاً أنّ الزعفران يعد من أكثر المحاصيل قيمة على مستوى العالم، حيث يصل ثمن الغرام الواحد في الأسواق العالمية إلى أضعاف أسعار الذهب أحياناً، ما يجعله محصولاً استراتيجياً يمكن أن يسهم في رفد الخزينة بالقطع الأجنبي مستقبلاً.
وبيّن الدكتور ميا ” للحرية ” أنّ زراعة الزعفران تمنح المزارع فرصة لتأمين دخل مستقر من مساحات صغيرة لا تتجاوز بضع مئات من الأمتار، وهو ما يفتح الباب أمام صغار المزارعين لدخول السوق الإنتاجية عالية الربح دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة. منوهاً بأنّ هذه الزراعة تتماشى مع التوجهات العالمية نحو المنتجات الطبيعية ذات الاستخدامات الطبية والعطرية والغذائية، ما يمنحها ميزة تنافسية في الأسواق الخارجية.
مشروع متكامل
وأشار الدكتور ميا إلى أنّ نجاح التجربة يحتاج إلى إنشاء سلاسل تسويق وتصنيع بسيطة، كالتجفيف والتعبئة، وهو ما قد يخلق فرص عمل إضافية في الريف ويعزز من قيمة المنتج النهائي. لافتاً إلى أنّ إدخال الزعفران في الخطط الاستثمارية الزراعية يتيح لسوريا موطئ قدم في سوق عالمية متنامية، وخاصة إذا جرى العمل على بناء سمعة تجارية مرتبطة بجودة المنتج الساحلي.
ويرى الدكتور ميا أنّ زراعة الزعفران ليست مجرد محصول زراعي جديد، بل مشروع متكامل يمكن أن يسهم في إعادة تنشيط الريف السوري، ويفتح أمامه آفاقاً للتصدير والتكامل مع الصناعات الغذائية والدوائية والعطرية، بما يعزز مكانة المنطقة كمركز لإنتاج محصول نادر وعالي القيمة.
بين ما يقوله المزارعون وما يطرحه أهل الاختصاص، يلوح الزعفران اليوم في ريف جبلة كفرصة استثنائية تجمع بين الجدوى الاقتصادية وسهولة الخدمة الزراعية، وتفتح الطريق نحو مشروع استراتيجي قد يمنح الريف الساحلي وجهاً جديداً في خريطة الاستثمار الزراعي.