الزواج تحت سقف الصمت.. الانفصال الصامت حين يعيش الشريكان معاً كالغرباء

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – باسمة اسماعيل

برزت ظاهرة جديدة تقلق الأخصائيين النفسيين والمجتمعيين على حد سواء في السنوات الأخيرة، “الانفصال الصامت”، وهي حالة يعيش فيها الأزواج تحت سقف واحد، لكنهم مفصولون عاطفياً ونفسياً، فلا حديث حقيقي، ولا تواصل وجداني، بل فقط واجبات يومية تؤدى بروتين بارد، فيما يغيب الدفء والمشاعر.

الانفصال الصامت..

تعرف الاختصاصية النفسية يارا عباس هذه الظاهرة بأنها “حالة من الجمود العاطفي حيث يعيش الزوجان معاً كجسدين منفصلين، يشتركان في المسؤوليات اليومية لكن تنعدم بينهما العلاقة الروحية والعاطفية، مشيرة إلى أن الانفصال الصامت لا يعني بالضرورة وجود مشكلات واضحة، بل أخطر من ذلك، هو غياب الحديث والمشاعر حتى عن المشكلات نفسها.
وأوضحت في تصريحها لـ”الحرية” أن الكثير من الأزواج الذين يصفون علاقتهم بأنها “مستقرة” يعانون من “انفصال وجداني”، حيث يخبرون معالجهم النفسي أنهم يشعرون بالوحدة رغم وجود الشريك.

الأسباب: كيف يصل الشريكان إلى هذه المرحلة؟
وبينت الأخصائية النفسية أن الانفصال الصامت لا يحدث فجأة، بل هو نتيجة تراكمات يومية ناتجة عن عوامل متداخلة، من بينها، الروتين اليومي القاتل: حين تتحول الحياة إلى تكرار ممل دون تجديد أو شغف.
الانشغال المستمر: سواء بالعمل أو الهواتف الذكية أو وسائل التواصل الاجتماعي، ما يخلق فجوة تواصلية.
غياب التقدير والامتنان: عندما لا يشعر أحد الطرفين أن جهوده تقدر، تبدأ المشاعر بالتآكل. الخلافات المؤجلة: تراكم المشكلات الصغيرة دون حل أو نقاش يؤدي إلى برود العلاقة. ضعف الذكاء العاطفي: كثير من الأزواج لا يملكون أدوات التعبير عن مشاعرهم، فيظنون أن “الصمت أرحم من المواجهة”.

غياب التفاعل

يقول المعالج الأسري الأميركي “جون غوتمن” في أحد أبحاثه الشهيرة: “أكثر ما يدمر الزواج ليس الصراخ أو الخلاف، بل الصمت المطول وغياب التفاعل”.

أصوات من الواقع شهادات زوجين..

تقول “ريم” (50 عاماً)، وهي متزوجة منذ 23 سنة، لا يوجد بيني وبين زوجي خلاف كبير، لكننا لا نتحدث، نأكل بصمت، ننام بصمت، كلٌ في عالمه، حتى عندما نحزن أو نفرح، لا نشارك بعضنا شيئاً، أشعر وكأني أعيش مع زميل سكن، لا شريك حياة.
ويؤكد “سعيد” (39 عاماً) أحب زوجتي، لكننا غرقنا في روتين خانق، كلانا مرهق من العمل ومن ضغوط الحياة، لا وقت للكلام أو حتى للنظر في عيني بعضنا، أشتاق لأيام كنا نضحك فيها من دون سبب.

هل مَن مخرج؟ خطوات كسر الصمت..

ولفتت يارا إلى أنه لحسن الحظ، الانفصال الصامت ليس نهاية العلاقة، بل يمكن تجاوزه بخطوات بسيطة لكنها تحتاج إلى إرادة صادقة..
المصارحة أولاً: المواجهة بالحقيقة دون خوف أو اتهام، إحياء الوقت المشترك: تخصيص وقت أسبوعي للحديث أو ممارسة نشاط مشترك.
التقدير المتبادل: كلمات الامتنان الصغيرة تصنع فارقاً كبيراً.
العودة إلى الجذور: تذكر اللحظات الأولى التي جمعتكما.
طلب الدعم النفسي أو الروحي: أحياناً لا يمكن تجاوز هذا النوع من الأزمات دون مساعدة خارجية.
مشيرة أن الزواج ليس عقداً بل رابط روحي عميق.

متى يجب القلق؟

وحذرت يارا من تجاهل مؤشرات الانفصال الصامت، مبينة أنه إذا لاحظ أحد الزوجين أنه لم يعد يهتم بتفاصيل الآخر، أو أن الصمت أصبح هو القاعدة، فهنا تبدأ مرحلة الخطر، لا يجب انتظار الانفجار، بل العمل سريعاً على ترميم العلاقة.

بداية النهاية

الزواج ليس فقط مشاركة في المسؤوليات، بل هو تواصل مستمر، حوار، دعم، ومشاعر تروى يوماً بعد يوم.
الانفصال الصامت قد يكون بداية النهاية إذا ترك دون علاج، لكنه أيضاً فرصة للعودة، لإعادة اكتشاف الآخر، وبناء جسور جديدة من الفهم والرحمة.

Leave a Comment
آخر الأخبار