الحرّية- هبا علي أحمد:
خطوة ثانية تُقدم عليها السعودية في إطار الجهود التي تبذلها في سياق دعمها لمسار تعافي واستقرار سوريا، وبعد دورها في رفع العقوبات يأتي منتدى الاستثمار السوري- السعودي، الأول من نوعه في سوريا، في السياق السابق الذكر ولخلق حال من التوازن السياسي والاقتصادي في سوريا.
وتبعاً للتداخل السياسي والاقتصادي، فإنّ القراءة الاقتصادية للمنتدى لا يُمكن فصلها عن السياسية ولاسيما في هذه المرحلة، كما لا يُمكن الحديث أيضاً عن الفوائد التي ستجنيها البلاد من دون الحديث عن الانعكاس الإيجابي للخطوة على السعودية.
المنتدى السوري- السعودي سيؤدي إلى تخفيف وطأة قانون قيصر وبما يُعبّر عن حالة اقتصادية وسياسية وإضافة توازن بالمشهد السوري
توازن سياسي واقتصادي
ويوضح الخبير والمستشار الاقتصادي- رئيس مجلس النهضة، عامر ديب في حديث لـ«الحرّية» أن التحرك السعودي لدعم الاستثمارات في سوريا كان بطريقة مباشرة وغير مباشرة.. الطريقة غير مباشرة كان سعي السعودية خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرياض لرفع العقوبات عن سوريا، وهنا أرادت السعودية أن تكون لاعباً رئيساً اقتصادياً في سوريا لإيجاد نوع من التوازن بالمشهد السياسي والاقتصادي، ولاحقاً وبعد تمديد قانون قيصر وجدت السعودية أنه من الضرورة بمكان إستراتيجياً العمل على ضخ هذه الاستثمارات وإرسال رجال أعمال ومن ثم إقامة المنتدى، للتوازن الذي ذكرناه آنفاً من جهة، ومن جهة أخرى إيجاد موطئ قدم لها في الجمهورية العربية السورية لتستثمره سواء مستقبلاً أو حالياً بما يُحقق لها أهدافاً جيوسياسية واقتصادية.
..فالسعودية تمتلك اليوم حجم استثمارات عالياً وإن كانت تعاني بعض الصعوبات الاقتصادية نتيجة مشاريع مثل «نيوم» وعجز بالميزانية نحو ٢٠٢ مليار ريال سعودي، لكن رغم ذلك وفقاً لديب فالمنتدى السوري- السعودي سيؤدي إلى تخفيف وطأة قانون قيصر بإقامة برج ومصنع أسمنتي، وبما يُعبر عن حالة اقتصادية وحالة سياسية وإضافة توازن بالمشهد السوري، ورد على عقوبات أميركا وعدم التزام أميركا مع السعودية في رفع العقوبات على سوريا.
المنتدى سيدعمنا إعلامياً واقتصادياً ويحقق لنا حضوراً اقتصادياً ويخفف من الهجمة الإعلامية التي تتحدّث عن إن الاستثمارات لن تأتي في ظل غياب الاستقرار الأمني والاقتصادي
أثر جزئي وإيجابي
ومع حجم الاستثمارات البالغة ٦ مليارات دولار حسبما أعلن، يتساءل ديب: هل المنتدى اليوم هو هدف اقتصادي بحت، وما التأثير على المواطن؟ وهنا لفت الخبير الاقتصادي أن الهدف ليس اقتصادياً بحتاً فالرؤية الاقتصادية اليوم ليست واضحة، كما أن مبلغ ٦ مليارات دولار سيكون له أثر جزئي على المواطن ولكنه إيجابي من خلال توفير فرص العمل وإعادة تأهيل البنية التحتية، لكن المنتدى سيدعمنا إعلامياً واقتصادياً ويحقق لنا حضوراً اقتصادياً ويخفف من الهجمة الإعلامية من بعض الصفحات التي تتحدّث عن إن الاستثمارات لن تأتي في ظل غياب الاستقرار الأمني والاقتصادي.
ونوّه ديب بتعاون ومرونة الجهات الحكومية ولاسيما الوزارات الاقتصادية التنموية مع أي مستثمر من دون وجود أي سقف ما دام يحقق الفائدة المشتركة بين الدولة والشركة المستثمرة أو المقدمة.
تمكين بيئة الاستثمار واستقطاب الرساميل يتطلبان تسهيلات ودعم رأس المال المحلي وإلغاء البيروقراطية وتأمين حركة النقد وانسيابيته
المطلوب
وعن سؤالنا كيف ستنظم الحكومة رأس المال الخارجي القادم إلى سورية وتوجههه باتجاه الفرص التي تحتاجها لا التي يرغبها المستثمر الخارجي؟.. لفت الخبير ديب إلى أنّ قانون الاستثمار رقم ١٨ وتعديلاته كافٍ ووافٍ، وإدارة هيئة الاستثمار استطاعت أن تصل بالهيئة إلى برِّ الأمان رغم التحدّيات الكبيرة، واستطاعت أن تكون صورة حيّة، مرنة، اقتصادية ومؤسساتية للدولة تستقطب المستثمرين بتفاعلها معهم والحفاظ على مصالحهم ودعم رؤاهم ودعم أي عملية استثمارية تحقق المصلحة المشتركة للدولة والقطاع الخاص.
وفي ظل التركيز على المستثمر الداخلي والخارجي، يدعو ديب إلى ضرورة إعطاء الأولوية للمستثمر الداخلي لأنه الأعلم بالطبيعة الاقتصادية والتجارية في سوريا، كما لفت إلى أن المستثمر الخارجي يحتاج إلى سياسة نقدية وبنوك وتحويلات قد تكون متعثرة راهناً بعد تمديد «قيصر».
وأوضح ديب أن تمكين بيئة الاستثمار واستقطاب الرساميل يتطلبان العديد من التسهيلات ودعم رأس المال المحلي، إلغاء الروتين والبيروقراطية وتأمين حركة وانسيابية النقد من دون خوف، فالقطاع النقدي إلى الآن لم يستطع بناء ثقة بينه وبين التجار والمستثمرين، أضف إليه الاستقرار الأمني، الاجتماعي و السياسي، إلى جانب بناء الثقة بالاقتصاد، لأن عدم الاستقرار في جميع النواحي يعوق الاستثمار..
من هنا تجد الدولة نفسها أمام تحدّيات جمّة، وتبذل ما في وسعها لتقديم الدعم والتسهيلات في السياق.
الجدوى الاقتصادية
وأشار ديب إلى أنّ التركيز يجب ألّا يقتصر على السعودية، فاليوم الاستثمار الإماراتي لا يقل أهمية عن الاستثمار السعودي، كاستثمار مرفأ طرطوس الأمر الذي وضعه على خريطة التجارة العالمية، وبالتالي زيادة الواردات، وبالمقارنة الاقتصادية فإن ٦ مليارات دولار ممكن أن تدخل على خزينة الدولة ٣٠٠ مليون سنوياً، في حين أن إيرادات الخزينة من استثمار مرفأ طرطوس تصل إلى مليارات الدولارات سنوياً، وهنا إشارة مهمة إلى موضوع الجدوى الاقتصادية، بمعنى ضرورة الالتفات إلى حجم الفائدة العائدة من الاستثمار الذي يأتي في أهمية متقدمة عن حجم الاستثمار ذاته.
الأولوية
ويرى ديب أن هناك قطاعات تتقدم في أولوية الاستثمار على قطاعات أخرى، كالقطاع الزراعي خاصة بعد حرائق الساحل، أي البدء بالزراعة وإقامة مشاريع الري وتربية الحيوانات، كما أن العمل في المناطق الريفية سيحقق نمواً ويخلق استقراراً اقتصادياً وأمنياً، ثم الصناعة وقطاع التجزئة والسياحة.