الحرية – متابعة مها سلطان:
من أوكرانيا إلى كوسوفو مروراً بإيرلندا الشمالية، وحتى أفغانستان، لم يبقَ نموذج لإرساء التهدئة في غزة إلا وتم تجريبه أو قياسه في حال كان مناسباً أم لا، وصولاً إلى خطة ترامب التي استعان بتوني بلير (رئيس الوزراء البريطاني الأسبق) إلى جانب كبار دبلوماسيي إدارته.. لكن السلام في غزة ما زال بعيداً.
أحدث النماذج كان ما عرضته وكالة «بلومبرغ» الأمركية، في مقال لها اليوم، بعنوان «جهود السلام في غزة يمكن أن تستفيد من تجربة كوسوفو».
وترى بلومبرغ أن الاتفاق الذي أبرمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل عشرة أيام فقط (في مدينة شرم الشيخ المصرية بحضور عربي دولي بارز) بدأ يترنح سريعاً، مشيراً إلى أن المؤشرات على الأرض لا توحي بسلامٍ مستقر، بل بعودة الفوضى.
وتشرح الوكالة الأميركية كيف أن حركة حماس لم تُبدِ أي نية للالتزام ببنود الاتفاق، بل استغلت انسحاب القوات الإسرائيلية لتعيد فرض سيطرتها على بعض المناطق و«تصفّي خصومها من الفلسطينيين» بينما تواصل إسرائيل قصف غزة وترفض إعادة فتح معبر رفح كما ينص الاتفاق، بذلك يكون الاتفاق قد فشل في تحقيق أبسط شروط التهدئة لأنه فُرض على طرفين لم يقتنعا به منذ البداية.
لكن مقال بلومبرغ لا يتوقف عند هذا التشخيص فقط، بل يقترح درساً عملياً مستفاداً من التاريخ الحديث: تجربة كوسوفو عام 1999، حين نجح تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) في إنهاء «حملة التطهير العرقي التي شنّها الجيش اليوغوسلافي» وأعقبه تشكيل قوة حفظ سلام تعرف باسم كفور (KFOR). هذه القوة، التي ما زالت تعمل بعد ربع قرن، اعتُبرت واحدة من أنجح تجارب فرض الاستقرار بعد النزاعات، رغم ما شابها من قصور.
وتستعيد الوكالة الأميركية دور بلير نفسه الذي أسهم في إقناع الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون بضرورة التحضير المسبق لقوة حفظ سلام تكون جاهزة قبل وقف إطلاق النار، بحيث تملأ الفراغ الأمني فور انسحاب القوات الصربية، هذا التحضير المبكر، كما تقول بلومبرغ، كان مفتاح النجاح في كوسوفو، على عكس نهج ترامب الذي «يفتقر إلى روح التخطيط المسبق» ويعتمد على «فن الصفقات» أكثر من بناء المؤسسات.
وتقترح بلومبرغ بخصوص أي قوة دولية ستتولى حفظ السلام في غزة أن تستلهم دروس قوات «كفور»: أن تكون قوية، وذات تفويض واضح، ومكوّنة من دول تحظى بثقة السكان، ويشير إلى أن مصر قد تقود القوة المقبلة، بمشاركة دول مثل أذربيجان وإندونيسيا، ما يشكل توازناً مقبولاً بين الطابع الإسلامي والشرعية الدولية.
وتختم بلومبرغ بتحذير من أن ملء الفراغ الأمني في غزة لا يحتمل الانتظار أو الحلول الجزئية، داعياً القاهرة إلى التحرك سريعاً لتأمين المناطق الحدودية – بدءاً من معبر رفح – قبل أن ينهار ما تبقى من اتفاق ترامب.