الحرية – نصار الجرف:
إيماناً بتحقيق قيم العدالة والمساواة، كقيم أساسية لبناء دولة المواطنة وحقوق الإنسان في سوريا، يأتي في المرتبة الأولى دور المجتمع المدني، من خلال مؤسساته وتجمعات ومنتديات الأهلية، في نشر التوعية المجتمعية والوطنية ونشر مفاهيم العدالة الانتقالية لتحقيق السلم الأهلي وبناء عقد اجتماعي جديد في سوريا الجديدة.
الحرية استمزجت آراء عدد من التجمعات الوطنية في مدينة سلمية (كأنموذج) لتحقيق السلم الأهلي وتطبيق العدالة الانتقالية في سوريا.
دولة لكل السوريين
أمين سر لجنة العلاقات العامة في ” هيئة العمل المدني الديموقراطي ” في سلمية علي الدبيات، ذكر لصحيفتنا الحرية أنه بعد أكثر من عقد على اندلاع الأزمة السورية، لا تزال البلاد تفتقر إلى شرط أساسي لقيام الدولة واستقرارها وهو السلم الأهلي، وهو مصطلح لم يعد يعني مجرد غياب القتال المسلح، بل يشير إلى حالة مجتمعية قائمة على القبول المتبادل، واحترام التنوع، والتوافق على القواعد المشتركة للعيش المشترك.
مضيفاً: في سوريا اليوم، يبدو السلم الأهلي هشاً وممزقاً تحت وطأة انقسامات سياسية وطائفية وعرقية غذّتها سنوات الحرب، وتفاقمت بفعل التدخلات الخارجية، والانهيار الاقتصادي، وتعدد السلطات والمشاريع السياسية. لكن رغم كل هذا، يبقى السلم الأهلي شرطًا لا غنى عنه إن أرادت سوريا أن تبدأ طريقاً حقيقياً نحو الخروج من الأزمة وبناء دولة تمثل جميع مواطنيها.
نتائج مدمرة
و بين الدبيات أن الانقسام العميق في البنية المجتمعية السورية اليوم ليس مجرد نتيجة للحرب، بل هو أيضاً انعكاس لفشل الدولة السابقة في تمثيل كافة مكوناتها. فالدولة التي تقوم على الإقصاء وتغليب فئة على أخرى لا يمكن أن تكون حاضنة للجميع. وما شهدناه من انهيار سريع للعقد الاجتماعي مع بداية الاحتجاجات، يؤكد أنّ البنية السياسية والاجتماعية كانت هشة، ومفتقدة للثقة بين المواطن والدولة، وبين المواطنين أنفسهم.
العدالة والمواطنة أولاً
وأوضح الدبيات أنه لا يمكن الحديث عن سلم أهلي من دون عدالة انتقالية حقيقية تُنصف الضحايا، وتضع أسساً واضحة للمساءلة والمصالحة، بعيداً عن منطق الإفلات من العقاب أو الانتقام. هذه العدالة يجب أن تكون مدخلًا لصياغة عقد اجتماعي جديد يقوم على المواطنة المتساوية، لا على الانتماءات الطائفية أو الجهوية أو الإثنية.
الحوار بدلاً من الاقتتال
و إن ما تحتاجه سوريا ليس انتصار طرف على آخر، بل حوار وطنيٌ جامعٌ يعيد تعريف معنى “الوطن”، ويحدد شكل الدولة القادمة بما يضمن تمثيل جميع السوريين فيها، على اختلاف خلفياتهم و لا يمكن أن تنجح أي تسوية سياسية من دون أن تُبنى على قاعدة مجتمعية متماسكة تقبل بالتنوع وترفض الإقصاء.
من السلم الأهلي إلى الدولة الجامعة
ويشير الدبيات إلى أنّ السلم الأهلي ليس هدفًا بحد ذاته، بل هو الأساس الذي تُبنى عليه دولة القانون والمؤسسات. دولة تضمن الحريات والحقوق، وتقوم على التمثيل العادل، وتحكمها الشفافية والمساءلة. من دون هذا السلم، تبقى أي محاولة لإعادة الإعمار أو النهوض الاقتصادي والسياسي قاصرة وعرضة للانفجار مجدداً.
وإنّ مستقبل سوريا لا يُبنى بالحديد والنار، بل بإرادة جامعة تؤمن أن الدولة ليست ملكاً لفئة أو طائفة، بل لجميع أبنائها. والسلم الأهلي هو الشرط الأول والأهم لهذه الإرادة. من دون مصالحة حقيقية وعدالة شاملة، لن يكون هناك وطن حقيقي. سوريا تحتاج إلى إعادة اكتشاف نفسها، وإعادة تعريف دولتها، على أساس يليق بتضحيات أبنائها ويضمن كرامتهم ومستقبلهم.
بناء السلام المجتمعي
بدوره رئيس مجلس إدارة ” تجمع الفجر الجديد” في سلمية، عبد العزيز الجرف ذكر أن النزاعات والاختلافات في المجتمع هي معطى طبيعي لمسيرة المجتمع، لكنها تزداد حدة واتساعاً وتفرقاً بوجود نظم استبدادية تعمل وعملت على تدريسها لتثبيت السيطرة والهيمنة، وهو ما يزيد من الشروخ والانقسام ومفاقمة النزاعات، الأمر الذي يفتت المجتمع والمدن والقرى الى مربعات ووحدات يصعب توحيدها أو معالجة التفرق والانقسام في ظل الاستبداد، وهو الواقع الذي تركه نظام الطاغية الأب والابن.. إنه إرث ثقيل.
وبيّن الجرف أن التشاركية مبدأ و مرتكز جوهري ومحوري بين الدولة والمجتمع المدني، حيث لا يمكن الوصول لمجتمع مستقر يقوده السلم الأهلي في حال تمّ إغفال خطوات العدالة الانتقالية.
إرساء السلم الأهلي
من جانبه بيّن ممثل ” تجمع الاتحاد الوطني السوري الحر” في سلمية قصي الجرعتلي أنه من أول يوم من أيام التحرير كانت سلمية أول السباقين لدعم توجهات الحكومة سواء السياسية أو الأمنية أو الاجتماعية، حيث بدأ مجتمع سلمية بكل مكوناته الأهلية والمدنية والاجتماعية يوحد نفسه ويجهز إمكاناته للبدء بعملية البناء والعدالة الانتقالية والسلم الأهلي على مستوى الوطن، وتجلى ذلك بعملية تسليم السلاح من أهل مدينة سلمية لأنهم مؤمنون أنّ السلاح يجب أن يكون بيد الدولة والأجهزة المسؤولة .
وعلى صعيد آخر بدأت مبادرات دعم المناطق المتضررة بفترة النظام البائد ومنها قرى ريف السلمية من العشائر وغيرهم.
وتوجهت مؤسسة الآغا خان لوضع دراسة لاحتياجات هذه القرى لوضع برامج وخطط تنموية و إغاثية وكان التنسيق مستمراً مع الجهات السياسية والإدارية للمشاركة .
مضيفاً أنّ مدينة سلمية برزت بعد التحرير كواحدة من أبرز النماذج السورية في إرساء السلم الأهلي، معتمدة على تنوعها الاجتماعي والثقافي، ووعي سكانها السياسي. حيث بدا من مظاهر السلم الأهلي في سلمية تفاعل شعبي إيجابي بعد دخول إدارة العمليات العسكرية، شهدت المدينة مهرجانات شعبية وهتافات سياسية واحتفالات في الساحات العامة، تعبيراً عن الفرح بالتحرر وانخراط مجتمعي واسع، وتحولت شوارع سلمية إلى “منتديات سياسية”، حيث ناقش الأهالي مستقبلهم بحرية، بعيداً عن الخوف والرقابة..
وتمّ تسليم السلاح طوعاً في خطوة تعكس رغبة الأهالي في إنهاء مظاهر العنف، كما تشكل في مدينة سلمية وفدٌ يضم كافة المكونات الاجتماعية والمدنية والدينية، أخذ على عاتقه حمل رسالة سلام إلى كل مكونات المجتمع السوري، وداعياً إلى المشاركة بين جميع أبناء الوطن والحكومة السورية إلى بناء أسس العدالة الانتقالية وصولاً إلى تحقيق السلم الأهلي.