السلم الأهلي سبيل النجاة ومفتاح المستقبل.. هل تعود سوريا إلى حضنها المجتمعي؟

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- باسمة إسماعيل:

في وطن جرح طويلاً لكنه لم يفقد إيمانه بالحياة، يعود الحديث اليوم عن السلم الأهلي بوصفه خط الدفاع الأول في وجه التمزق الاجتماعي، والحل الجوهري لأي استقرار سياسي واقتصادي حقيقي، بعد أكثر من عقد من النزاع، باتت الحاجة ملحة لاستعادة لغة الحوار، وتكريس ثقافة التسامح، وتغليب صوت العقل على منطق الثأر والانتقام، الذي لا يولد إلا مزيداً من الانقسام والتفكك.
واقع الحال يثبت أنه لا انتصار حقيقياً لطرف دون آخر، في مجتمع مهدد بالتشظي، ولا دولة قوية دون مواطن يشعر بالأمان، وتحترم كرامته عبر القانون لا العشيرة، وتبنى العدالة فيه بالمؤسسات لا بالسلاح.

لا ينشأ من فراغ

في هذا السياق، أكدت الدكتورة ريم كحيلة أستاذة الإرشاد النفسي واختصاصية علم النفس الاجتماعي في جامعة اللاذقية لصحيفتنا “الحرية” أنه لا بد قبل الحديث عن السلم الأهلي التحدث عن موضوع العنف وأسبابه، العنف لا ينشأ من فراغ، بل من شعور بالخوف وانعدام الطمأنينة، وغالباً ما يكون الشخص العنيف قد تعرض سابقاً للأذى أو الإحباط أو فقد الثقة بالآخرين، ويستعرض قوته عبر العنف كآلية دفاع عن ذاته المهددة، ما يولد حلقة مغلقة من الانتقام، يصبح فيها كل فرد تارة جانياً وتارة ضحية.

الخطر الصامت

وتحذر كحيلة من ثقافة الانتقام، واصفة إياها بـ”الخطر الصامت الذي يهدد المجتمعات من الداخل”، وتشبه هذا السلوك بتصرفات الطفل الذي يسترد حقه بضرب مَن اعتدى عليه، مشيرة إلى أن البيئة المجتمعية السائدة -بدلاً من تصويب هذا السلوك- غالباً ما تحتفي به وتشرعنه ضمن مفاهيم القوة والسلطة.
وتابعت: إن كسر حلقة العنف يبدأ بفهم دوافعه النفسية والاجتماعية، وببناء استجابات راشدة تقوم على الحوار لا رد الفعل، فالراشد الحقيقي هو من يتبنى تفكيراً نقدياً مرناً يرفض الانجرار وراء عقلية الثأر، ويبحث عن حلول بديلة تعيد التوازن النفسي والاجتماعي.

السلم الأهلي جهد يومي لا حالة مؤقتة

وأشارت د. ريم إلى أن السلم الأهلي ليس حالة مثالية يصعب تحقيقها، بل جهد يومي يبدأ من الأسرة، وينتشر في كل مؤسسة، مضيفة إن التربية القائمة على التسامح وتقبل الآخر، هي اللبنة الأولى في بناء مجتمع قادر على التعايش واحترام التنوع، سواء في الدين أو العرق أو الطائفة أو اللون.

نقاط توافق مجتمعية

ودعت إلى ضرورة إيجاد نقاط توافق مجتمعية حول مفاهيم مركزية مثل، الهوية الوطنية، الأمن، والاستقرار الاقتصادي، باعتبارها ركائز أساسية لأي حوار وطني حقيقي يعزز الانتماء المشترك، ويعيد بناء النسيج الاجتماعي المتشظي.

العدالة لا الانتقام.. القانون لا الفوضى

ولفتت كحيلة إلى أن السلم الأهلي لا يتحقق فقط عبر وقف إطلاق النار، بل عبر إعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع، وتبني سردية جماعية جديدة تخرج الأفراد من عقلية “الضحية والجاني” وتنقلهم إلى موقع “المواطنة المتساوية”.
ورأت كحيلة في مواجهة جراح الحرب، أن لا تعافي دون تسامح، ولا استقرار دون عدالة، ولا بقاء دون سلم أهلي شامل، فهذه ليست شعارات طوباوية، بل ضرورات وجودية لوطن كتب عليه أن ينهض من بين الرماد.

ليس ترفاً

ونوهت د. كحيلة إلى أن السلم الأهلي ليس ترفاً ولا خياراً مؤجلاً، بل هو الحاضر الذي يقرر إن كنا سنكتب مستقبلنا بأيدينا، أم نتركه رهينة لعقلية الانتقام والانقسام، في سوريا اليوم، يبدأ طريق النجاة من البيت، من المدرسة، من القانون، ومن كل يد تمتد لتصنع جسور الثقة بدل جدران الكراهية.

Leave a Comment
آخر الأخبار