السلم الأهلي في سوريا: تحديات الواقع وإمكانات المستقبل

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- بشرى سمير:
في ظل ما تمر به سوريا من أزمات متراكبة وتوترات متصاعدة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تتجدد الحاجة الملحّة إلى ترسيخ السلم الأهلي كأحد أهم أعمدة بناء الدولة، وضمانة حقيقية للحفاظ على وحدة البلاد ونسيجها المجتمعي. فالسلم الأهلي ليس مجرد غياب للعنف، بل هو نمط من التعايش القائم على احترام الآخر، والاعتراف بالاختلاف، والقبول بالتنوع، بوصفه ثراءً لا تهديداً.
الدكتور أمين صالح أستاذ التاريخ في جامعة دمشق بيّن لـ”الحرية” أن السلم الأهلي يعني التزاماً مجتمعياً بالعيش المشترك بين جميع مكونات المجتمع السوري يقوم على أسس إنسانية وأخلاقية تتجاوز الانتماءات الضيقة وترفض بشكل قاطع التحريض على العنف سواء باسم الدين أو القومية أو الأيديولوجيا أو الولاءات الحزبية. فالحروب الأهلية، حين تُستدعى بهذه الذرائع لا تترك إلا الدمار وتُفكك البنية التحتية لأي مجتمع السلم الأهلي عبر التاريخ .
وأضاف صالح: تاريخياً كانت المجتمعات التي حافظت على سلمها الأهلي أكثر قدرة على الصمود في وجه الأزمات، فغياب الاستقرار يولّد بيئة خصبة للفوضى والانقسام بينما يسهم وجود سلم حقيقي في بناء جسور الثقة بين المواطنين وبين الدولة والمجتمع، ما يعزز من فرص التعافي والاستقرار. والثقة المتبادلة تشكل حجر الأساس في أي مشروع لبناء سلام داخلي.

إرساء ثقافة الحوار

ولتعزيز هذا السلم حسب الدكتور صالح لا بد من إرساء ثقافة الحوار وقبول الآخر وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني إلى جانب ترسيخ مبادئ العدالة والمساواة والمواطنة الكاملة. ولفت صالح إلى أن هذا السلم المنشود يواجه تحديات جسيمة، في مقدمتها: التنمر، الإقصاء، خطابات الكراهية، الفقر، البطالة، وغياب العدالة أو سوء تطبيق القانون. فالفقر والفساد لا يهددان فقط الاستقرار بل يقوّضان أسس السلم الأهلي من جذورها وينشران اليأس والانقسام.
مشيرا إلى أنه لا يمكن الحديث عن سلم حقيقي دون تحقيق كرامة معيشية للمواطن. إذ لا معنى للمواطنة حين يُحرم المواطن من لقمة العيش ولا جدوى من الحديث عن استقرار في ظل شعور بالغربة داخل الوطن. إن جوهر السلم الأهلي يكمن في شعور المواطن بأنه متساوٍ في الحقوق والواجبات بغض النظر عن انتمائه أو خلفيته وأنه يحظى بفرصة لحياة كريمة تحفظ إنسانيته.
لقد شكّلت الثورة السورية في عام 2011 تعبيراً عن مطالب اقتصادية واجتماعية مشروعة، دفعت بها نسب الفقر المرتفعة والتهميش ما يجعل من الضروري إدراك أن تعزيز السلم الأهلي لا يمر فقط عبر الخطاب بل عبر تمكين حقيقي للمواطنين وضمان حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.

اللغة المغلقة والتواصل الناجح

وفي هذا السياق، يصبح الحوار الفاعل بين الثقافات ضرورة لبناء التفاهم وتجاوز الفجوات ويتطلب ذلك الانصات الصادق للآخر واحترام اختلافه، والاعتراف بقيمة هذا التنوع وتجنب اللغة المغلقة أو المصطلحات غير المفهومة إضافة إلى الاستعداد لتعديل طرق التواصل بحسب طبيعة المتلقي. فالتواصل الناجح يعتمد على التفاعل المتبادل وعلى البحث عن القواسم الإنسانية المشتركة بدل التركيز على الفروقات ويلعب الإعلام دوراً محورياً في تشكيل الرأي العام، وقد يكون سلاحاً ذا حدين: إما أن يسهم في بناء التفاهم، أو أن يروّج للكراهية والصور النمطية. وتجاوز التحديات يتطلب مقاربة شاملة تأخذ في الاعتبار التعقيد التاريخي والاجتماعي والسياسي والثقافي للصراع وتسعى إلى بناء عقد اجتماعي جديد يضمن العدالة والكرامة والعيش المشترك.

بناء سوريا

وختم صالح بالقول: مستقبل سوريا لا يمكن أن يُبنى إلا على أرضية السلم الأهلي الحقيقي الذي ينطلق من احترام الإنسان وتحقيق المساواة وضمان الحريات، ورفض العنف بكل أشكاله.

Leave a Comment
آخر الأخبار