الحرية:
في أواخر آذار الماضي دخل الجيش السوداني إلى العاصمة الخرطوم وبسط سيطرته عليها (بعد دحر قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي) تصدرت عدة أسئلة حول هذا الحدث الفاصل وهل سيكون نهاية لحرب ستدخل بعد أسبوعين من ذلك الحدث عامها الثالث (في 15 نيسان الماضي) وهل أن قوات الدعم السريع ستسلم بالهزيمة من دون أن تعمد إلى جولة جديدة من القتال وإن من خارج الحدود؟
وكما كان متوقعاً لم تسلم قوات الدعم السريع بالهزيمة، وعمدت إلى تشكيل حكومة مؤقتة/موازية في نيروبي/كينيا، وبدأت شن هجمات تتسع بصورة يومية وإن كانت ما تزال في مناطق بعيدة عن العاصمة، ما دفع المراقبين إلى اعتبار أن الحرب دخلت عملياً عاماً ثالثاً، رغم أن الجيش السوداني هو في الموقف الأقوى، فيما رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان يواصل تعزيز مواقفه بخطوات مهمة على مستوى الدولة ومؤسساتها، ما يعني أنه إذا لم تتطور مجريات المرحلة المقبلة باتجاه ميداني عسكري ضخم مع قوات الدعم السريع، فإن البرهان يكون قد أمسك فعلياً بزمام دولة جديدة، حيث إن أي هجمات من الخصم لن يكون لها تأثير كبير، ولأن استعادة زمام الدولة تعني توفير الأمن والاستقرار ومن ثم عودة النازحين، على مستوى الداخل والخارج، فإن هذه العوامل تصب في مصلحة المنتصر، أي من دخل العاصمة وسيطر عليها.
وعليه، كان متوقعاً أن تتركز الخطوة التالية على الحكومة وإعادة تشكيلها، حيث أصدر البرهان أمراً بإجراء تعديلات عليها، وتعيين السفير دفع الله الحاج علي العثمان على رأسها (مكلفاً بتسيير مهام رئيس الوزراء).
والسفير دفع الله الحاج هو أحد أبرز وجوه الدبلوماسية في البلاد، بخبرة تجاوزت أربعة عقود، شغل مناصب دبلوماسية رفيعة كسفير في عدة دول بينها فرنسا وباكستان والسعودية، بالإضافة إلى تمثيل بلاده في الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي.
وفي عام 2019، تقدم بطلب للتقاعد المبكر، إلا أنه عاد إلى السلك الدبلوماسي بعد الإجراءات الاستثنائية التي فرضها الجيش السوداني في 25 تشرين الأول 2021، حيث كُلّف بمهام خاصة قبل أن يعيّن وكيلاً لوزارة الخارجية عام 2022، وهو المنصب الذي شغله حتى كانون الأول 2023.
شغل دفع الله في عام 2023، منصب المبعوث الخاص لرئيس مجلس السيادة، حيث زار عدة دول في الإقليم وحول العالم لتعزيز العلاقات الثنائية ومتابعة الملفات الإقليمية. وفي عام 2024، عُيّن سفيراً للسودان لدى السعودية.
وكان المستشار السابق للحكومة السودانية، ربيع عبد العاطي، اعتبر أن استعادة الجيش للعاصمة الخرطوم، يعني وبكل المقاييس، نهاية «التمرد» في البلاد حتى وإن طالت المعارك لبعض الوقت، مؤكداً أن معركة الخرطوم كانت فاصلة.
وقال عبد العاطي في تصريحات يوم أمس لوكالة «سبوتنيك» الروسية: إن العاصمة الخرطوم تشهد عودة جماعية للمواطنين الذين تركوها إبان الحرب، حيث تقوم الدولة السودانية في الوقت الراهن بتوفير كل سبل الدعم لتسهيل عمليات العودة وتساعد المواطنين في عمليات إِعادة إعمار منازلهم.
ولفت عبد العاطي إِلى أن «المشهد في الخرطوم اليوم يدل على أن شعب السودان وجيشه قد تحولوا إلى قوة جبارة لا أستبعد أن تصبح في يوم قريب قوة إقليمية يضع لها الأصدقاء والأعداء ألف حساب».
وكان البرهان أكد قبل نحو أسبوع «أن الأمور تسير بحسب ما خطط له» متعهداً بـ«تحرير كل شبر من أرض الوطن». وقال في خطاب ألقاه، بمناسبة تدشين مبادرة «عافية وطن» لدعم المتضررين من الحرب: «انتقلنا من الدفاع إلى الهجوم ولن يهدأ لنا بال حتى نقتلع الميليشيات».
وكانت الخلافات بين عبد الفتاح البرهان، وبين قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو/حميدتي، خرجت للعلن، بعد توقيع “الاتفاق الإطاري” المؤسس للفترة الانتقالية بين المكون العسكري الذي يضم قوات الجيش وقوات الدعم السريع، الذي أقر بخروج الجيش من السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.
كان هذا بعد نهاية حكم الرئيس السابق عمر حسن البشير في عام 2019، حيث اندمج الجيش وقوات الدعم السريع في مجلس انتقالي بقيادة مدنية. ولكنهما قاما في تشرين الأول 2021 باتخاذ ما سمياه إجراءات تصحيحية لمسيرة حكومة ثورة ديسمبر، والتي كانت برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، لتصبح خارج الساحة السياسية، ويصبح حميدتي نائباً للبرهان. ولكن بعد ذلك اختلف القائدان حول هيكلة وتسلسل الجيش المشترك.
ورفض حميدتي دمج قواته في الجيش الوطني. وقد أدى ذلك في نيسان 2023 إلى نشوب صراع مفتوح على السلطة بين الطرفين، أفضى إلى حرب اجتاحت جميع أنحاء السودان.
السودان..البرهان يعزز الميدان بتشكيلة حكومية جديدة.. هل باتت الحرب في مرحلتها الأخيرة؟

Leave a Comment
Leave a Comment