الحرية ـ سراب علي:
في قرار يعد منعطفاً تاريخياً في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، صوّت مجلس النواب الأمريكي يوم 10 ديسمبر 2025، على إلغاء عقوبات “قانون قيصر” التي كانت مفروضة منذ عام 2019، وبعد التصويت على رفع العقوبات يترقب المواطن السوري -كما الخبراء الاقتصاديون- المدة المتوقعة لظهور آثار هذا الرفع على الاقتصاد السوري، وهنا يظهر السؤال الأبرز ما الأولويات الاقتصادية التي يجب التركيز عليها لتحقيق انتعاش اقتصادي؟
وكيف يمكن لرفع العقوبات أن يؤثر على الاستثمار الأجنبي المباشر في سوريا؟
هنا يؤكد مدير معهد إدارة الأعمال في جامعة اللاذقية الدكتور عبد الله أوبان أن الإلغاء جاء كخطوة يُنظر إليها على أنها أساسية لإنعاش الاقتصاد السوري المدمر بعد سنوات من الحرب والعزلة، ويُعتبر هذا دليلاً على نجاح الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، كما يفتح الباب أمام عودة الاستثمارات والمساعدات الأجنبية، ويدفع نحو إعادة دمج سوريا في النظام المالي والتجاري العالمي .
كيف يمكن لسوريا تحويل رفع العقوبات إلى نهضة اقتصادية؟
متى تظهر الآثار؟
ومن المتوقع حسب أوبان أن تظهر آثار رفع العقوبات عبر ثلاث موجات زمنية، وليس كتحول فوري ومفاجئ.
- الموجة الفورية (أشهر): ستشهد تحسناً في الثقة النفسية والأسواق المالية، كما بدأ يظهر عبر انخفاض سعر الدولار نحو 700 ليرة في السوق الموازية خلال 24 ساعة من التصويت.
- الموجة المتوسطة (سنة- سنتان): من المتوقع أن تتحول الاستثمارات الأجنبية المعلنة (28 مليار دولار) إلى مشاريع فعلية، مع عودة سوريا إلى نظام “سويفت” لتسهيل المعاملات الدولية.
- الموجة البنيوية (3-5 سنوات): الفترة اللازمة لتحقيق تعافٍ حقيقي، شرط توافر إصلاحات داخلية وتذليل تحديات أخرى مثل تطوير البنية التحتية وبناء بيئة استثمارية سليمة.

د. أوبان : فرصة تاريخية نجاحها مرهون بترتيب “البيت الداخلي” عبر إصلاحات جذرية مالية ونقدية
الإصلاحات شرط النجاح الوحيد
كما أوضح أوبان أنه لتحويل فرصة رفع العقوبات إلى انتعاش فعلي، يجب التركيز على حزمة مترابطة من الإصلاحات:
أولاً: إصلاحات سياسات سعر الصرف:
إذ يعد استقرار سعر الصرف أولوية ملحة، إن الفارق الكبير الحالي بين السعر الرسمي (حوالي 11,000 ليرة) والسعر الموازي (حوالي 11,800-12,000 ليرة) يعكس أزمة ثقة بالليرة موجودة منذ زمن النظام البائد يمكن التغلب عليها من خلال العديد من الإجراءات نذكر منها:
- تحسين إدارة السيولة وتطبيق أدوات نقدية أكثر فاعلية لدعم استقرار الليرة.
- توسيع استخدام القنوات الرسمية للتحويلات المالية.
- تهيئة المصارف المحلية لعودة العلاقات مع البنوك العالمية المراسلة، خاصة مع عودة سوريا إلى نظام “سويفت”، لضمان امتصاص التدفقات المالية المحتملة بشكل منظم.
ثانياً: إصلاحات السياسات المالية والتجارية:
إذ يجب إصلاح النظام الضريبي بهدف تبسيط الإجراءات وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية، كما يجب أن تهدف السياسات إلى تشجيع الإنتاج والاستثمار بدلاً من الاستهلاك، وذلك من خلال خلق الحوافز وتوفير التمويل اللازم، كما أنه يجب العمل على تحفيز الصادرات، حيث يجب التركيز على تشجيع الصادرات المصنعة ونصف المصنعة بدلاً من المواد الخام، لتعظيم القيمة المضافة وتحسين عجز الميزان التجاري المستمر الناتج عن ضعف القدرة الإنتاجية، بالإضافة إلى تأمين الطاقة للإنتاج وهو عامل حاسم لتمكين المصانع من العمل المتواصل، وأضاف: ظهر لنا كيف أن تحسيناً بسيطاً شهده قطاع الكهرباء (من 4 إلى 10 ساعات يومياً للمواطنين، و24 ساعة للمدن الصناعية) حقق فرقاً ملموساً على صعيد الإنتاج المحلي.
ثالثاً: معالجة التضخم
ويشير أوبان إلى أن ثالث الإصلاحات تتمثل بإجراءات اقتصادية كلية عاجلة منها محاربة التضخم ويكون عبر سياسات نقدية ومالية مدروسة، منوهاً إلى قضية التوقيت المناسب في طرح العملة الجديدة، حيث يجب أن تتم أولاً معالجة موضوع التضخم الموجود بالعملة القديمة وذلك تجنباً لترحيله إلى العملة الجديدة عبر سعر التكافؤ، والعديد من تجارب الدول تدل على أولوية هذا الأمر.
بالإضافة إلى تأمين فرص عمل جديدة من خلال جذب الاستثمارات المباشرة التي تُحدث فرص عمل، ودعم القطاع الخاص المحلي.
وكذلك تحسين القدرة الشرائية: حيث اتخذت الحكومة خطوات أولى كرفع الرواتب بنسبة 200% وخفض أسعار المشتقات النفطية 25%، لكن استمرار هذه الإجراءات ضروري للتخفيف عن المواطن، وكذلك التأكيد على تنفيذ برامج إصلاحات هيكيلية في القطاع العام تشمل الإدارة والموارد البشرية، ولهذا الأمر أولوية إذا عرفنا أن سوريا هي من الدول التي تتجاوز فيها حصة القطاع العام في الاقتصاد النسب المماثلة في دول الاتحاد السوفييتي السابق ودول شرق أوربا.

الاستثمار الأجنبي حجر الزاوية
تصل تكلفة إعادة إعمار سوريا إلى أكثر من 216 مليار دولار، ما يجعل جذب الاستثمار الأجنبي المباشر أولوية قصوى، ويتوقع أوبان أن يسهم رفع العقوبات في:
- رفع معدلات النمو الاقتصادي، التي تُقدر رسمياً بأعلى من تقديرات البنك الدولي البالغة 1% لعام 2025.
- تجاوز النقص في الصناعة وهذا سيساعد الاستثمار في استيراد التكنولوجيا والمعدات الصناعية الحديثة، وإعادة تأهيل القطاعات الإنتاجية، وبالتالي معالجة الاعتماد الكبير على الواردات.
- مزيد من الاندماج في الاقتصاد العالمي والأسواق العالمية عبر العمليات والمعاملات الأجنبية.
- الاستفادة من الشراكات ومذكرات التفاهم الدولية والتكاملات الاقتصادية لجني فوائد للبلاد تجارية واقتصادية وغيرها.
حوافز استثمارية
ولبلوغ النتائج السابقة فإنه وفقاً لأوبان يجب إزالة عوائق الدخول وهذا يتطلب ذلك استقراراً أمنياً واجتماعياً، وبيئة تشريعية وقانونية واضحة ومنفتحة، وحماية للملكية. ويلعب كل من استقرار المشهد السياسي وتحسن ظروف البيئة التشغيلية (كالنقل والموانئ) دوراً رئيسياً في هذا السياق، وكذلك تقديم حوافز استثمارية عبر حزم تسهيلات ضريبية وجمركية، وضمانات للتسويات المالية الدولية.
بالإضافة إلى بناء الثقة عبر مكافحة الفساد وضمان الشفافية، فمن المعروف -كما يقول د. أوبان- أن رأس المال “جبان” يختار المواقع الآمنة، لذا فإن بناء الثقة متعدد الجوانب (تشريعي، قانوني، أمني، سياسي) هو الأساس..
فرصة تاريخية على محك الإصلاح
يؤكد أوبان في ختام حديثه أن رفع العقوبات يمثل “فرصة تاريخية” لسوريا، لكن نجاحها مرهون بقدرة الدولة على “ترتيب البيت الداخلي” عبر إصلاحات جذرية في النظامين المالي والنقدي، ومكافحة الفساد، وبناء بيئة استثمارية مستقرة، مع الحفاظ على الاستقرار الأمني والسلم الأهلي.
فقط بهذه الشروط المتكاملة كما يقول أوبان يمكن تحويل هذا المنعطف السياسي إلى نهضة اقتصادية حقيقية تليق بتضحيات الشعب السوري.