السوريون يتنفّسون الصّعداء.. الرواتب إلى ارتفاع

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- رشا عيسى:

في ظلّ التحديات الاقتصادية المستمرة التي يواجهها السوريون، تأتي زيادة الرواتب التي بلغت 200% وفقاً للمرسوم الرئاسي رقم 102 لعام 2025 كدفعة إيجابية نحو البناء لتحقيق الأمان الاقتصادي والمعيشي شبه  المفقود على مساحة الوطن، وخاصة لأصحاب الوظائف الحكومية من حملة الشهادات الذين تتذيل رواتبهم قوائم الرواتب مقارنة بالعديد من دول العالم.

ورغم الإيجابية الكبيرة التي تحيط بالخطوة الرئاسية لزيادة الرواتب، والرغبة الحكومية في تخفيف معاناة السوريين الاقتصادية، تبقى العيون شاخصة على الأسعار  لمختلف السلع في الأسواق، التي عادة ما ترتفع تلقائياً بشكل غير مبرر عندما تتلقف الأوساط التجارية أخبار زيادة الرواتب.

زوايا متعددة

ولفهم دور هذه الزيادة في تحقيق الأمان الاقتصادي والاجتماعي، يجب تحليلها من عدة زوايا كما يوضح  الباحث في الشأن الاقتصادي والسياسي المهندس باسل كويفي لـ(الحرية).

من ناحية الجوانب الإيجابية يرى كويفي أن لها أبعاداً تبدأ من تحسين القدرة الشرائية بشكل مؤقت، أي إن الزيادة قد توفر دخلاً إضافياً للأسر السورية، ما يساعد في تغطية بعض الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والإيجار، هذا يمثل تحسناً ملحوظاً مقارنة بالرواتب السابقة التي كانت تعادل 11-22 دولاراً، إضافة إلى رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص إلى 750 ألف ليرة قد يشجع على تحسين ظروف العمل ويقلل من استغلال العمال.

كما تعد خطوة نحو تعزيز الاستقرار الاجتماعي بمعنى أن الزيادة تعكس التزام الحكومة المؤقتة بتحسين مستوى المعيشة، ما قد يعزز الثقة بالإدارة الجديدة، ويخفف من التوترات الاجتماعية الناتجة عن الفقر المدقع الذي يعاني منه أكثر من 90% من السوريين، ودعم المتقاعدين بزيادة معاشاتهم يساهم في تخفيف العبء عن الفئات الأكثر ضعفاً، ما يعزز التماسك الاجتماعي.

تحفيز للاقتصاد

وبيّن كويفي أنها  تحفيز للاقتصاد المحلي بمعنى أن زيادة الدخل قد تؤدي إلى ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي، ويحفز الأسواق المحلية ويدعم الشركات الصغيرة. هذا يتماشى مع استراتيجية الحكومة لجذب الاستثمارات وتحريك عجلة الإنتاج.

وبناء على التحليل السابق أشار فويتي إلى أن الزيادة خطوة أولية نحو تحسين الدخل، لكنها لن تحقق أماناً اقتصادياً مستداماً ما لم تترافق بالاستقرار السياسي والأمني مع إصلاحات هيكلية مثل:

مكافحة التضخم عبر ضبط الأسعار وتنظيم الأسواق.
تحسين كفاءة التحصيل الضريبي ومكافحة الفساد وتحفيز الاستثمار.
إعادة تنشيط القطاعات الإنتاجية (مثل خط أنابيب كركوك-بانياس وخطوط نقل الطاقة..) لتحفيز فرص عمل وتقليل الاعتماد على المساعدات.

وبالنسبة للأمان الاجتماعي فإن زيادة الرواتب قد تخفف من حدة الفقر مؤقتاً وتعزز الثقة بالحكومة، لكن استمرار الأزمات مثل الأمن الغذائي والمائي (90% من السكان تحت خط الفقر) قد يؤدي إلى نتائج سلبية إذا لم تُدار الأزمة بحكمة وفقاً لكويفي.

تحديات ومخاطر

أما بالنسبة للتحديات والمخاطر قسمها كويفي إلى مايلي:
1. التضخم وتآكل الزيادة حيث يتوجب الحذر من أن ارتفاع الأجور غالباً ما يقابله ارتفاع فوري في أسعار السلع الأساسية، ما يُبطل أثر الزيادة وهنا يأتي دور الوعي المجتمعي ووسائل الإعلام ووزارة الاقتصاد في ضبط إيقاع السوق والحد من الجشع، كما أن زيادة السيولة النقدية في السوق المحلي قد تؤدي إلى هبوط قيمة الليرة السورية، ما يفاقم التضخم، ويأتي هنا دور البنك المركزي ووزارة المالية في ضبط سعر الصرف، وتمويل الزيادة في الأجور من الخزينة العامة، عبر المساعدات الإقليمية والدولية وفك تجميد الأصول السورية في الخارج ومصادرة أموالها وممتلكات منظومة الفساد من النظام البائد.

2. عدم كفاية الزيادة مقارنة بالاحتياجات، موضحاً أن هناك العديد من الدراسات المحلية تشير إلى أن أسرة مكونة من 5 أفراد تحتاج إلى 6.5-10 ملايين ليرة شهرياً للعيش بمستوى مقبول، بينما الراتب حتى بعد الزيادة (1.5 مليون ليرة كحد أقصى لبعض الموظفين) يبقى دون هذا المستوى.

بادرة إيجابية

وشرح كويفي أن زيادة الرواتب بمقدار 200% هي بادرة إيجابية تعكس رغبة الحكومة المؤقتة في تخفيف معاناة السوريين، لكنها تبقى غير كافية في مواجهة التضخم الهائل وتدهور الليرة على مدى سنوات. لتحقيق أمان اقتصادي واجتماعي حقيقي، يجب أن تكون الزيادة جزءاً من استراتيجية شاملة تشمل إعادة الإعمار، جذب الاستثمارات، وإصلاح المؤسسات. بدون ذلك، قد تتحول الزيادة إلى مجرد إجراء شكلي، وبالتالي على الحكومة ومؤسساتها مراقبة الأسواق بدقة وضمان استدامة التمويل والنهوض المستدام.

Leave a Comment
آخر الأخبار