الحرية – بشرى سمير:
مع اقتراب فصل الشتاء تتجه الأنظار إلى أبرز الوجهات السياحية في سوريا، مدينة بلودان حيث تتحول إلى لوحة طبيعية بيضاء بفعل هطول الثلوج التي تغطي جبالها ووديانها. و تمتلك هذه المدينة مقومات طبيعية وحضارية تؤهلها لتصبح مركزاً سياحياً شتوياً مهماً، لكنها تواجه في نفس الوقت تحديات تحول دون تحقيق إمكاناتها الكاملة.
المقومات الطبيعية والجغرافية
تتمتع بلودان بموقع جغرافي فريد، حيث تقع على ارتفاع 1550 متراً فوق سطح البحر في ريف دمشق، وتبعد عن العاصمة السورية حوالي 50 كيلومتراً فقط، ما يجعلها قريبة ومناسبة للرحلات اليومية والأسبوعية، وتطل بلودان على سهل الزبداني الأخضر، ما يوفر إطلالات ساحرة تزداد جمالاً عندما تكسو الثلوج المنطقة.
يتميز مناخ بلودان بالبرودة الشديدة في الشتاء مع تساقط كثيف للثلوج، ما يخلق فرصة ممتازة لممارسة الأنشطة الشتوية المختلفة كالتزلج والتزحلق على الجليد، كما تشتهر البلدة بينابيعها المائية العذبة وأحراجها دائمة الخضرة، ما يضيف إلى جاذبيتها السياحية.
ويبين الخبير الاقتصادي صالح إبراهيم أن مقومات بلودان السياحية لا تقتصر على عناصر الطبيعة فحسب، بل تمتد إلى عمق تاريخي وحضاري، حيث تعود تسمية بلودان إلى الآراميين الذين أطلقوا عليها “بيل دان” في الألف الثاني قبل الميلاد، وتعني موقع معبد الإله “بيل”.و تمتلك مواقع أثرية متعددة مثل دير مار جريس، دير يونان (معبد روماني)، مغارة موسى، ووادي مار الياس الذي يضم شجرة سنديان معمرة تبلغ من العمر 500 عام، وقد وصفها العديد من الرحالة والشعراء الذين زاروها وأعجبوا بجمال طبيعتها، كالرحالة ابن بطوطة والشاعر الفرنسي لامارتين.
الواقع الحالي للسياحة الشتوية
ولفت إبراهيم إلى أن بلودان شهدت في السنوات الأخيرة انتعاشاً ملحوظاً في السياحة الشتوية يصل عدد الزائرين إلى حوالي 100 ألف زائر خلال يوم الجمعة فقط، منها رحلات أسبوعية تنظمها الشركات المحلية وتشمل رحلات سياحية داخلية ورحلات مدرسية، معظمها في أيام العطل إضافة إلى وجود رحلات من خارج سوريا أيضاً، تنطلق من الأردن بشكل جماعي أو فردي وعند هطول الثلوج يغلق طريق بلودان لكثافة الزوار ومن أبرز المعالم الأثرية في بلودان القلعة والتي هي أهم المعالم التاريخية التي تعود للعصور الوسطى، وتوفر إطلالات رائعة على الجبال المحيطة.
ناهيك عن الينابيع الطبيعية مثل نبع أبو زاد وعين البيضا وعين النسور، إضافة إلى وجود المباني العثمانية التقليدية مثل البيوت القديمة التي تعكس روعة الطراز المعماري وحرفية السكان وهناك الكنائس والأديرة التاريخية التي تعود إلى العصور البيزنطية، تضيف بعداً ثقافياً للتجربة السياحية.
بلودان ليست مجرد مصيف صيفي أو شتوي فقط، بل وجهة سياحية متكاملة تناسب جميع الأذواق على مدار العام، مع مزج رائع بين الطبيعة الخلابة، التراث التاريخي، والثقافة المحلية الغنية.
واشار ابراهيم إلى أنه رغم المقومات الواعدة، تواجه السياحة الشتوية في بلودان تحديات كبيرة، أهمها: التحديات الاقتصادية والمعيشية حيث يعاني الكثير من السوريين من ضعف القدرة الشرائية، حيث يصل الحد الأدنى لرواتب القطاع العام إلى حوالي 100 دولار فقط، مع ارتفاع تكاليف النقل والسفر. هذه الفجوة الاقتصادية تجعل الكثيرين غير قادرين على تحمل تكاليف الرحلات السياحية، وهناك التحديات البنيوية والخدمية والمتمثلة في قلة أو ندرة المنتجعات الشتوية المتخصصة والمنشآت المجهزة لاستقبال السياح في فصل الشتاء، إضافة إلى نقص الخدمات والأنشطة المرافقة، حيث لا يوجد مطعم مدفأ في موسم الثلج، ونأمل هذا العام أن يكون الوضع أفضل مع توفر المحروقات وانخفاض أسعارها اضافة إلى عدم كفاية البنية التحتية والخدمات السياحية، وتركيز معظم المنشآت على توفير الإقامة فقط دون الاهتمام بالأنشطة الخارجية التي يحتاجها السائح.
وأخيراً ارتفاع أسعار الخدمات السياحية بشكل كبير، ما يجعلها بعيدة عن متناول معظم السوريين.
التحديات التخطيطية والمؤسسية..
ولفت صالح إلى أن من التحديات التي تواجه السياحة في بلودان غياب الاستراتيجية الشاملة لتنشيط السياحة الشتوية، واعتماد معظم الجهود على مبادرات ارتجالية وأهمية إعداد الخطط والرؤى للموسم الشتوي داعياً إلى تقديم التسهيلات وتبسيط الإجراءات من أجل الاستثمار السياحي في ريف دمشق وتسهيل إجراءات الاستثمار وتوفير بيئة تشريعية ملائمة لجذب رجال الأعمال والمستثمرين.