الشرع- بوتين.. تحالف يتجدد على قاعدة التحولات الإقليمية وإعادة تعريف العلاقات والمصالح  

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- متابعة أمين سليم الدريوسي:

في ظل مشهد دولي متقلب وتغيرات إقليمية متسارعة، جاءت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو لتؤكد توجه دمشق نحو إعادة تموضعها السياسي، عبر تعزيز تحالفها التاريخي مع روسيا الاتحادية.. اللقاء الذي جمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قصر الكرملين لم يكن مجرد مناسبة دبلوماسية، بل حمل رسائل استراتيجية تتعلق بالسيادة، والاستقرار، والتكامل الاقتصادي.

الرئيس الشرع شدد على أن سوريا تدخل مرحلة جديدة من إعادة بناء علاقاتها الخارجية، تقوم على احترام السيادة الوطنية والانفتاح المتوازن على القوى الإقليمية والدولية.. وأكد أن العلاقة مع روسيا ليست مجرد تحالف سياسي، بل شراكة متعددة الأبعاد تشمل الطاقة، الدفاع، والتعليم، وتستند إلى إرث تاريخي طويل.

– بوتين يكرّس الدعم

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعاد التأكيد على متانة العلاقات بين البلدين، مشيراً إلى أنها بدأت عام 1941 في ظل الاتحاد السوفييتي، واستمرت دون أن تتأثر بالتقلبات السياسية أو المصالح الضيقة.. بوتين اعتبر أن سوريا تمثل شريكاً استراتيجياً في الشرق الأوسط، وأن روسيا ملتزمة بدعم استقرارها الداخلي ومؤسساتها السياسية، وخاصة بعد نجاح الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

كما أشار إلى وجود أكثر من 4000 طالب سوري في الجامعات الروسية، معتبراً أن هذا التبادل العلمي يعكس عمق الروابط الاجتماعية بين الشعبين، ويشكل رافعة مستقبلية للتنمية في سوريا.

– اقتصاد الحرب وما بعدها

الجانب الاقتصادي كان حاضراً بقوة في اللقاء، حيث ناقش الطرفان سبل تفعيل التعاون في قطاع الطاقة، الذي يعتمد في جزء كبير منه على الخبرات الروسية. الرئيس الشرع أشار إلى أهمية إعادة تعريف الاتفاقيات السابقة بما يضمن استقلال القرار السوري، مع الحفاظ على المصالح المشتركة.

بدوره بوتين أعلن عن استئناف أعمال اللجنة الحكومية المشتركة التي أسست عام 1993، برئاسة نائب رئيس الوزراء الروسي ألكساندر نوفاك، مؤكداً أن هناك مشاريع جاهزة للتنفيذ، ومشاورات منتظمة ستُعقد بين وزارتي الخارجية لضمان التنسيق المستمر.

– خارطة طريق

زيارة الرئيس الشرع إلى موسكو تأتي بعد سلسلة من اللقاءات التمهيدية، أبرزها زيارة وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى روسيا في تموز الماضي، واستقبال وفد روسي رفيع المستوى في دمشق في أيلول الماضي. هذه اللقاءات تعكس مساراً تصاعدياً في العلاقات الثنائية، وتؤسس لمرحلة جديدة من التكامل السياسي والاقتصادي بين دمشق وموسكو.

الوفد السوري المرافق للرئيس الشرع ضم وزيري الخارجية والدفاع، ورئيس الاستخبارات العامة، والأمين العام لرئاسة الجمهورية، ما يعكس أهمية هذه الزيارة من حيث التمثيل الرسمي، ويؤكد أنها ليست مجرد لقاء رمزي، بل خطوة عملية نحو ترسيخ التحالف السوري الروسي في مرحلة ما بعد الحرب.

– تحالف يتجدد

زيارة الرئيس الشرع إلى موسكو لا يمكن فصلها عن السياق الإقليمي والدولي الذي تعيشه سوريا والمنطقة.. ففي ظل تصاعد التوترات بين القوى الكبرى، وتراجع النفوذ الغربي في بعض مناطق الشرق الأوسط، تسعى دمشق إلى تثبيت موقعها عبر تحالفات استراتيجية تضمن لها الاستقرار السياسي والدعم الاقتصادي.

روسيا، من جهتها، ترى في سوريا شريكاً موثوقاً في منطقة ذات أهمية جيوسياسية بالغة، وخاصة في ظل محاولات الغرب لإعادة رسم خرائط النفوذ. ومن خلال هذه الزيارة، تؤكد موسكو أنها مستمرة في دعم دمشق، اقتصادياّ وتنموياً، عبر مشاريع الطاقة والتعليم والبنية التحتية.

فمن الناحية الاقتصادية، فإن استئناف عمل اللجنة الحكومية المشتركة يمثل خطوة عملية نحو تفعيل الاتفاقيات المجمدة، وفتح الباب أمام استثمارات روسية جديدة في قطاعات حيوية داخل سوريا، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى إعادة إعمار شامل بعد سنوات الحرب.

سياسياً، تعكس هذه الزيارة رغبة سوريا في تجاوز مرحلة العزلة، والانخراط في توازنات دولية جديدة، دون التفريط في استقلال قرارها الوطني.. إنها رسالة مزدوجة: إلى الداخل السوري بأن الدولة تتحرك بثقة نحو الاستقرار، وإلى الخارج بأن دمشق لا تزال لاعباً فاعلاً في معادلة الشرق الأوسط، مدعومة من حليف دولي قوي.

Leave a Comment
آخر الأخبار