الحرية ـ نهلة أبوتك:
تحت قبة قصر الشعب في دمشق، جلس الرئيس أحمد الشرع مع وجهاء وأعيان محافظتي اللاذقية وطرطوس واستمع إليهم، وكان الاجتماع نفسه رسالة وطنية قبل أن تكون كلمات، في لحظة وطنية شديدة الحساسية، حيث تتقاطع المخاوف الاجتماعية مع استحقاقات إعادة بناء الدولة، إذ بدا اللقاء محاولة واعية لإعادة ضبط البوصلة الوطنية، مؤكداً أن الدولة لا يمكن أن تُدار إلا بالشراكة مع المجتمع، وبمنطق القانون لا الغلبة.
الوحدة فوق كل اعتبار
أوضح الرئيس الشرع أن العبث بالورقة الطائفية لم يعد مجرد خطأ سياسي، بل تهديد صريح لوحدة سوريا، وأن الدولة لا تحمل نزعة إقصائية أو ثأرية تجاه أي مكوّن اجتماعي، بل تسعى إلى ترسيخ مفهوم الدولة الجامعة، التي تحمي الجميع وتحتكم إلى مرجعية قانونية واحدة، وتأتي هذه الرسالة في وقت يتصاعد فيه الخطاب المشحون، لتذكير الجميع بأن الوحدة الوطنية ليست خياراً سياسياً، بل ضرورة وجودية.
الساحل نموذج للتعايش الوطني
وشدّد الرئيس على أن الساحل السوري ليس هامشاً في المعادلة الوطنية، بل مساحة اختبار حقيقية لقدرة السوريين على تجاوز الانقسامات، فطرطوس واللاذقية، بتاريخهما الاجتماعي المفتوح وثقافة التعايش المتجذّرة، أمام مسؤولية مضاعفة لتكونا نموذجاً وطنياً متقدماً في مواجهة الخطاب الطائفي.
كذلك أكد أن سوريا دولة واحدة غير قابلة للتقسيم، وأن أي رهان على التفكيك أو التدخل الخارجي مرفوض جملة وتفصيلاً، مشدداً على أن الحفاظ على السلم الأهلي لم يعد خياراً، بل شرطاً للحياة المجتمعية والاستقرار.

التنمية.. حائط صد أمام التوتر الاجتماعي
لم يُطرح الاستقرار بوصفه شعاراً فارغاً، بل كمسار مرتبط مباشرة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأشار الرئيس إلى سياسة الدولة في الانفتاح على شراكات جديدة، وتسريع تطوير مشاريع الموانئ بالتعاون مع شركات عالمية، لتعزيز موقع سوريا كمحطة ربط بين الشرق والغرب. كما شدّد على المقومات الاستثمارية الخاصة بالساحل، مشيراً إلى أن العام المقبل مرشح لارتفاع الإقبال على الاستثمار، ما ينعكس على بقية المحافظات، ويسهم في إحياء القطاعات الزراعية والصناعية، وزيادة الإنتاج المحلي، ومعالجة البطالة، في ظل ضغوط معيشية تشكّل أرضاً خصبة للتوتر إذا لم تُعالج جذرياً.
الإعلام.. الحاجز الواقي بين المجتمع وخطاب الفتنة
في هذا المناخ، يبرز دور الإعلام كحاجز أمام الانقسامات، بحسب رأي الإعلامي محمد خضير لـ”الحرية”، الذي يرى أن الرسالة الأهم في اللقاء هي فتح صفحة جديدة، يكون فيها القانون المرجعية الحاكمة لمعالجة أي إشكالات، بعيداً عن الاتهام الجماعي أو تحميل المكوّنات الاجتماعية وزر الأزمات.
ويشدد خضير على أن الإعلام الوطني مطالب بتقديم رواية مسؤولة ومتوازنة تراعي حساسية المرحلة، وتسليط الضوء على المشتركات الوطنية بدلاً من الاصطفافات الضيقة، محذراً من أن أي خطاب منحاز قد يفاقم الانقسام بدلاً من احتوائه.
ويضيف الإعلامي فادي ياسين أن دور الإعلام اليوم هو نزع فتيل التوتر، وتعزيز لغة الدولة، وتسليط الضوء على الفرص التنموية والاقتصادية، ليصبح جزءاً من استراتيجية حماية المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة.
خيار الدولة أو كلفة الفوضى
بين السطور، بدا اللقاء تذكيراً غير مباشر بأن بناء الدولة وتنميتها هو الخيار الأجدى في مواجهة الضغوط الاجتماعية والسياسية، وأن الحفاظ على اللحمة الوطنية ليس مجرد شعار، بل شرط للاستقرار والتنمية، والعبور إلى دولة قادرة على المنافسة إقليمياً ودولياً.
وفي مرحلة تتقلص فيها المساحات الرمادية، يضع هذا اللقاء المجتمع، والإعلام، والنخب المحلية أمام مسؤولية مشتركة: الانحياز لمنطق الدولة والقانون، أو ترك الفراغ لخطابات لا تنتج سوى الانقسام، بما قد يؤدي إلى تبعات خطيرة على استقرار الوطن ومستقبله الاقتصادي والاجتماعي.