الشهداء صنّاع هوية جديدة لبلد حر

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية -بشرى سمير:
في مثل هذا اليوم من كل عام، تستحضر ذاكرة السوريين وجعاً مجيداً ودماءً لم تجف. عيد الشهداء، السادس من أيار، ليس مناسبةً عابرة في الروزنامة الوطنية، بل محطة وعي، ومحكمة ضمير، تذكرنا بمن قدّموا أرواحهم فداءً للحرية والكرامة.
يقول الدكتور عماد سعيد أستاذ في قسم التاريخ جامعة دمشق: تعود هذه الذكرى إلى 6 أيار 1916، أي قبل أكثر من قرن، تُضاف إلى سجل الشهداء صفحات جديدة، خطّها أبناء سوريا في وجه نظام الاستبداد الداخلي. فمنذ اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، وحتى اللحظة، ارتقى عشرات الآلاف من الشهداء الذين خرجوا يطالبون بالحرية والعدالة، فكان الرد عليهم بالرصاص والاعتقال والتهجير والتصفية.شهداء الثورة جرح الوطن الحيّ وسنامه، هؤلاء الشهداء الجدد لم يكونوا حملة سلاح، بل حملة أحلام، خرجوا من مدارسهم وجامعاتهم ومساجدهم وساحاتهم، ليصرخوا في وجه الظلم: “حرية، عدالة، كرامة”.
كثيرون منهم لم تُعرف أسماؤهم، لكن وجوههم غدت جزءاً من ذاكرة الأمة، من حمادة هلال  الذي استُشهد تحت التعذيب وخلّد اسمه بالياسمين، إلى  حمزة الخطيب   إلى براء البوشي ابن حمص العدية  الذي  كان يوثّق الثورة بعدسته، وينقل أخبارها للعالم  واستُشهد في قصف همجي.
دماء هؤلاء لم تكن عبثاً، بل بوصلة أخلاقية ومسار وطني لا يضيع. فهم الذين أرادوا وطناً لا سجّان فيه ولا حاكم يعبد الكرسي، وطناً لا تُقصف فيه المدن لأن أهلها طالبوا بالحقوق.
ويرى سعيد أن  مكانة الشهداء في الأرض  هم النور الذي لا ينطفئ، هم الذين حرّكوا التاريخ، وأعادوا تعريف مفهوم الوطنية. لم يطلبوا مجداً، بل رفضوا الذل. كل قطرة دم نزفت منهم كانت تصويتاً صامتاً ضد الطغيان، وكل روح صعدت إلى السماء كانت دعوة متجددة لبقاء الحلم حياً.الشهداء ليسوا فقط ضحايا، بل صنّاع هوية جديدة لبلد حر  وأبطال قصة ما تزال تُكتب، رغم الجراح. إنهم “المحرّك الصامت” للضمير الجمعي، والفيصل الذي لا يسمح بالسكوت  على  الظالم، ولا بمساواة القاتل بالضحية.
وأشار إلى أن  مقام الشهداء في السماء رفيع كما لمقامٍ سواه. يقول الله تعالى:”ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون” [آل عمران: 169].فبينما يراهم الناس مضرجين بدمائهم، تراهم السماء مكللين بالرضا، محاطين بالرحمة، يُرزقون حياةً خالدة في جوار الخالق. الشهيد، كما في الحديث النبوي، “يُغفر له في أول دفعة من دمه، ويُؤمّن من عذاب القبر، ويشفع لسبعين من أهله…”،
فكيف إذا كان هذا الشهيد قد مات ليُحرر شعبه، ويُعيد للناس كرامتهم، ويُسقط صنماً استبد بالأرض.

عيد الشهداء  هو تجديد  العهد وأن نكون أوفياء لتضحياتهم، وكل تهاون مع القاتل، وكل تنازل عن مبدأ، هو خيانة صامتة لدم شهيد. أما الإصرار على الحلم، والتمسك بالحق، والدفاع عن الكرامة، فهو تجديدٌ للعهد معهم، وتأكيدٌ أننا لن نخذلهم. أن لا نُساوم، أن لا ننسى، وأن لا نهدأ حتى تكون سوريا حرة واحدة وموحدة  كما أرادوها.
سلامٌ على أرواحهم في العُلا، وسلامٌ على ذكراهم فينا، وسلامٌ على كل مَن لا يزال على العهد.

Leave a Comment
آخر الأخبار