الصحة النفسية: من الفرد إلى المجتمع.. رحلة التعافي والتمكين

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية – رجاء عبيد:

تشكل الصحة النفسية ركيزة أساسية في بناء المجتمعات المتماسكة، فهي ليست ترفاً فكرياً، بل ضرورة حياتية تمس الصغير والكبير على السواء.
يؤكد الدكتور أحمد غنام، الباحث في علم المجتمع، أن العناية بالصحة النفسية هي مسؤولية مشتركة بين الفرد والمجتمع بمؤسساته المختلفة، من الأسرة والمدرسة إلى أماكن العمل ومراكز القيادة.

معضلة “الوصمة الاجتماعية”

وأشار في تصريح لـ”الحرية”، إلى أن التوعية النفسية سلاح لمواجهة التحديات والوصمات تُعد التوعية النفسية من أهم العناصر في بناء مجتمع صحي قادر على مواجهة التحديات.
ويشير د. غنام إلى معضلة “الوصمة الاجتماعية” التي تسبب الخجل والرفض لفكرة العلاج النفسي في بعض المجتمعات، مؤكداً أن التوعية تلعب دوراً محورياً في تغيير هذه النظرة من خلال تعزيز الفهم الصحيح وتبديد المفاهيم الخاطئة وإيضاح أن الصحة النفسية جزء طبيعي من حياتنا كالصحة الجسدية.
وتقليل الوصمة الاجتماعية، ممكن عندما يدرك الناس أن الاضطرابات النفسية قابلة للعلاج، فيصبحون أكثر استعداداً لطلب المساعدة دون شعور بالعار مبيناً أن التمكين والمشاركة المجتمعية وبناء مجتمع داعم يشجع الأفراد على المشاركة في البرامج التي تعزز صحتهم النفسية.

التوتر والقلق

متى يجب أن نطلب المساعدة المتخصصة؟ يحدد د.غنام عدة حالات تستدعي مراجعة المختص النفسي، منها التوتر والقلق المستمر عندما يؤثر القلق على الحياة اليومية والأداء الوظيفي والاجتماعي.
وطبعاً الاكتئاب باستمرار مشاعر الحزن وفقدان الأمل وعدم الاهتمام بالأنشطة الممتعة لأسابيع.
وأضاف غنام: اضطرابات النوم، إذ إن صعوبة النوم أو الاستمرار فيه يؤثر على جودة الحياة. وهناك من يعاني من صعوبة التعامل مع الصدمة أو الفقدان أو العجز عن تجاوز المشاعر الطبيعية بعد تجارب مؤلمة.
كما توجد الاضطرابات السلوكية: كالتغير المفاجئ في السلوك أو ظهور أفكار غير منطقية والانعزال الاجتماعي والشعور المستمر بالعزلة وعدم القدرة على التفاعل الطبيعي مع الآخرين.

التأثير العميق للحرب

يُسلط د.غنام الضوء على التأثير العميق للحرب على الصحة النفسية، خاصة للأطفال، موضحاً أن المجتمع السوري خلال سنوات الحرب شهد انتشاراً لحالات مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): معاناة من الكوابيس والتوتر والخوف المستمر والاكتئاب، نتيجة الظروف القاسية وعدم الاستقرار.
والقلق المفرط: بسبب الخوف المستمر من المستقبل.
إضافة إلى تأخر النمو الاجتماعي والعاطفية، وصعوبة في التفاعل مع الأقران والتعبير عن المشاعر .

طلب المساعدة المتخصصة عند الحاجة

يقدم د.غنام مجموعة من النصائح العملية لتحسين الصحة النفسية منها ممارسة الرياضة بانتظام لتقليل التوتر والقلق وتحسين المزاج، والتواصل الاجتماعي: التحدث عن المشاعر مع الأصدقاء والعائلة للحصول على الدعم، إضافة إلى الاهتمام بالتغذية، فالأطعمة الصحية تؤثر مباشرة على الحالة المزاجية ومستوى الطاقة، وطلب المساعدة المتخصصة عند الحاجة وعدم التردد في اللجوء إلى المختص النفسي.

إعادة البناء.. مسؤولية جماعية

يختتم د.غنام بتأكيد أن إعادة بناء الصحة النفسية في المجتمعات التي تعرضت لصدمات، كسوريا، تتطلب جهداً مشتركاً. فهي رحلة لا يمكن أن يخوضها الفرد وحده، بل تحتاج إلى تعاون الأفراد مع المجتمع ومؤسساته لتحقيق التعافي والتمكين، وبناء مستقبل أكثر صحة واستقراراً للجميع.

Leave a Comment
آخر الأخبار