الحرية – باسمة اسماعيل:
تتضح أهمية تعزيز الدعم النفسي والاجتماعي، وكسر الصمت والخجل المحيط بطلب المساعدة، في زمن تتزايد فيه الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، حيث لم تعد الصحة النفسية ترفاً بل ضرورة تمس كل فرد في المجتمع.
ومع اتساع الاهتمام الرسمي والمجتمعي بهذه الرعاية تحاورت “الحرية” مع الدكتور محمود عديره رئيس شعبة الصحة النفسية في مديرية صحة اللاذقية.
حالة من الرفاه النفسي
وفي حديثه لـ “الحرية” بيّن الدكتور محمود أن الصحة النفسية هي حالة من الرفاه النفسي، تمكن الأفراد من التعامل مع ضغوط الحياة، وتحقيق قدراتهم والتعلم والعمل بفعالية، ما يسهم في بناء مجتمعاتهم، وهي ليست مجرد غياب المرض النفسي فقط، بل تشمل القدرة على الشعور بالسعادة والتكيف، وبناء علاقات إيجابية والتعبير عن المشاعر.
تحديد الاحتياجات
وأوضح عديره أن خدمات الدعم النفسي والاجتماعي تلعب دوراً محورياً ومهماً في تعزيز الصحة النفسية، فهي تهدف إلى تنمية المهارات والقدرات الحياتية للأفراد، وتوفير بيئة آمنة وداعمة، وتعزيز العلاقات الاجتماعية، مع احترام السرية والخصوصية، وتحديد احتياجات الأفراد والمجموعات.
وتابع: تشمل هذه الخدمات الدعم النفسي والاجتماعي والإسعاف النفسي الأولي، خاصة في حالات الطوارئ والأزمات، بالإضافة إلى العمل مع أمهات الأطفال مراجعي المراكز الصحية، وقضايا العنف والإهمال والعمالة والتحرش الجنسي.
وأضاف: يتم تشجيع الأفراد على طلب المساعدة والدعم النفسي، من خلال العمل على نشر ورفع الوعي، والتثقيف بأهمية الصحة النفسية، سواء على صعيد الفرد أو الأسرة، التي لديها شخص عنده اضطرب نفسي، والتأكيد على أن الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من الصحة العامة، كما يتم العمل على التخفيف من الوصم الاجتماعي، الذي قد يؤدي إلى تأخير أو تجنب العلاج والعزلة الاجتماعية، بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية والعائلية مثل شعور الأسرة بالخجل أو العار، بسبب وجود مريض نفسي لديها.
تتطلب جهداً جماعياً
وأوضح أنه يتم العمل على التخفيف من حدة الوصمة الاجتماعية عبر عدة نقاط منها؛
-حملات التوعية والتثقيف ونشر الوعي بأهمية الصحة النفسية، وتقليل الخرافات والمعلومات المغلوطة عن الاضطرابات النفسية.
-الدعم النفسي والاجتماعي ودمج خدمات الصحة النفسية في الرعاية الصحية الأولية، بحيث يصبح طلب المساعدة أمراً طبيعياً ومقبولاً.
ونوه إلى أن معالجة الوصمة الاجتماعية ليست مهمة سهلة، بل تتطلب جهداً جماعياً من قبل الأفراد والأسر والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية والمجتمع.
وبالنسبة لرأب الفجوة أشار الدكتور عديره إلى خدمات رأب الفجوة في مجال الصحة النفسية، بهدف سد الفجوة بين الحاجة الهائلة لخدمات الصحة النفسية والخدمات المتوفرة، مع النقص الحاد في الأطباء النفسيين، والتركيز على توسيع نطاق الرعاية من خلال توفير إرشادات وأدوات للأطباء غير المختصين بالطب النفسي، لتقديم التدخلات على الأدلة وتحسين الوصول إلى الخدمات، وتعزيز الوعي بالصحة النفسية.
وذكر الحالات ذات الأولوية لبرنامج عمل رأب الفجوة تشمل: الاكتئاب، الذهان، الصرع، الاضطرابات النفسية والسلوكية لدى الأطفال والمراهقين، الخرف، الاضطرابات الناتجة عن تعاطي المواد، إيذاء الذات /انتحار/ وغير ذلك من الشكاوى الجسدية المتعلقة بالصحة النفسية.
وفيما يخص التثقيف الصحي النفسي أوضح أنه يتم تقديم جلسات تثقيف صحي نفسي في المراكز الصحية، التي يوجد فيها كوادر مدربة على الصحة النفسية، بهدف توفير المعلومات حول الصحة النفسية للأسر والأفراد، ولزيادة الوعي النفسي وتقليل الوصم الاجتماعي، وتعزيز القدرة على فهم الاضطرابات النفسية وطرق التعامل معها.
ولفت إلى أنه لا توجد حتى الآن أرقام دقيقة عن أعداد الحالات المتعافية، لكنّ المؤشرات تؤكد ارتفاع نسب التحسن بفضل التوعية والدعم الأسري.
آراء من المجتمع
تقول أم رامي، وهي والدة لشاب مصاب باضطراب ثنائي القطب:
في البداية كنا نخاف من نظرة الناس، لكن بعد حضورنا جلسات التوعية في المركز الصحي، تعلمنا كيف نتعامل معه بطريقة صحيحة، أصبح ابني أكثر استقراراً، وتغيرت نظرتنا للمرض النفسي، ولم نعد نخجل من الحديث عنه.
بينما يروي سامر، الذي يعيش مع شقيق يعاني من الاكتئاب، تجربته قائلاً: المجتمع قاس أحياناً في أحكامه، لكن حملات التوعية التي شاهدناها على وسائل الإعلام واطلاعي على مقالات وغيرها عبر الإنترنت، غيرت كثيراً من المفاهيم، أصبحنا ندرك أن المريض النفسي يحتاج إلى دعم لا إلى إدانة.
أما نور، متطوعة في أحد برامج الدعم الاجتماعي، فتؤكد أن: الورشات الحوارية ساعدت كثيراً في تصحيح المفاهيم، خصوصاً بين الشباب، أضحوا أكثر تقبلاً لفكرة مراجعة الطبيب النفسي، وهذا مؤشر إيجابي على تغير الثقافة المجتمعية.