الصحة النفسية.. بين وصمة العار والبحث عن العلاج

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية ـ رنا الحمدان:

تبدلت النظرة إلى الطب النفسي بصمتٍ لكن بثبات ، في مدينة طرطوس الهادئة ، وحيث البحر يلامس الهموم اليومية، بعد سنوات الحرب والأزمات المتلاحقة ، فلم يعد الحديث عن الطبيب النفسي ترفاً أو خجلاً، بل حاجة مجتمعية متزايدة، تمس مختلف الأعمار والفئات ، ولم يعد الطبيب النفسي “آخر الحلول”، بل خط الدفاع الأول في مجتمع أنهكته الأزمات .

الاضطرابات تضاعفت بعد الحرب

يقول الدكتور حسام ملحم، اختصاصي الطب النفسي العام ومعالجة الإدمان والاضطرابات العصبية، والمدرس في جامعتي طرطوس والأندلس أنه قدم منذ أكثر من عشر سنوات إلى طرطوس بعد عمله في حلب لقرابة عقد من الزمن، وشهد خلال هذه السنوات تغيراً عميقاً في الحالة النفسية للناس ، علماً أن هناك أمراضاً نسبتها ثابتة عالمياً بغض النظر عن الحروب والصدمات والمجاعات ، بينما تضاعفت نسب الاكتئاب في سوريا، واضطراب ما بعد الصدمة، والهلع نتيجة الحرب والزلازل والضغوط الاجتماعية.
ويضيف أنّ هذه الأوضاع أسهمت في زيادة الوعي بأهمية مراجعة الطبيب النفسي، حيث بات الناس اليوم يتحدثون عن صحتهم النفسية أكثر جرأة، رغم أن البعض ما زال يرى في ذلك وصمة عار.

وعي يتقدم ببطء

يؤكد الدكتور ملحم أن عدد الأطباء النفسيين في سوريا لا يتجاوز المئة، في حين أن محافظة طرطوس وحدها تحتاج ما بين 200 و300 طبيب لتغطية حاجات المرضى، بمعدل طبيب لكل عشرة مرضى، علما أنه يوجد حالياً ٥ أطباء نفسيين فقط في المحافظة .
ولفت د.ملحم أنه يشجع طلابه في الجامعة على اختيار هذا الاختصاص النادر، خاصة أنه يشهد طلباً متزايداً، مضيفاً أنه يعمل حالياً مع جمعيات ومنظمات محلية تقدم جلسات إرشاد ودعم نفسي مجاني.
وأنّ الطب النفسي في سوريا تطور قسراً خلال الحرب، فقد أجبر انتشار الاضطرابات الناس على الاعتراف بالمشكلة والبحث عن علاج، بعدما كانت المكابرة والتجاهل سمة المرحلة السابقة.

بين العلاج الدوائي والسلوكي

ينقسم العلاج كما أوضح د.ملحم إلى ثلاثة محاور (الدوائي والسلوكي والنفسي) ، وكثيراً من الحالات يمكن أن تشفى تماماً إذا التزمت بالعلاج.
ويضيف أنّ الخوف من الأدوية النفسية ما زال شائعاً، رغم أنها مثل أدوية الضغط والسكري. هناك مرضى نوقف الدواء لديهم بعد الشفاء الكامل، لكن المفاهيم الخاطئة تجعل البعض يتأخر في طلب المساعدة، ما يعقد حالتهم.

مواجهة الألم

من جانبها، تتحدث فاتن خميس، اختصاصية اجتماعية وأسرية في جمعية حماية وإرشاد الأسرة في طرطوس، عن الدور المتنامي للجمعيات في دعم الصحة النفسية، أن الجمعية متخصصة تضم مرشدين نفسيين واجتماعيين، نقدم جلسات إرشاد وعلاج نفسي وتفريغ انفعالي، ولدينا قسم للأطفال وقسم لذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جانب دورات تدريب وتأهيل متطوعين.
وتضيف أنّ الواقع النفسي للمجتمع صعب بالتأكيد بسبب الضغوط اليومية، والفهم الخاطئ لجلسات العلاج النفسي، إذ يظن البعض أنها للمجانين أو الضعفاء، بينما هي في الحقيقة وسيلة للحفاظ على التوازن النفسي والرعاية الذاتية.
وترى خميس أنّ الحل يكمن في نشر الوعي بالصحة النفسية، وتفعيل دور الجمعيات والمبادرات المجتمعية، وتشجيع الأفراد على طلب المساعدة من دون خوف أو تردد.

Leave a Comment
آخر الأخبار