الصراع الإسرائيلي الإيراني.. حرب فوق جمر الشرق الأوسط

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية ـــ أمين الدريوسي:

في الشرق الأوسط، حيث التاريخ يكتب فصوله بمداد النار والدم، تتشابك خيوط صراع معقد ‏بين دولتين ، ‏إسرائيل وإيران، يمتد عبر عقود من الزمن، من الهجمات السرية، والعمليات ‏الاستخباراتية الخفية، إلى ‏التهديدات المتبادلة والمواجهات المباشرة، هذا الصراع رسم مساراً ‏متعرجاً، ترك بصماته على المنطقة ‏والعالم، وفي هذا المقال سنسلط الضوء على تاريخ هذا ‏الصراع، مستكشفين جذوره، وتطوراته، والعوامل ‏التي شكلته، والسيناريوهات التي قد تحدد ‏مستقبله.‏

من التعاون إلى التنافس ‏

لم يكن التعاون بين إسرائيل وإيران أمراً مستبعداً في يوم من الأيام، ففي عهد الشاه محمد رضا ‏بهلوي، ‏شهدت العلاقات بين إيران وإسرائيل تقارباً نسبياً، مدفوعاً بالمصالح المشتركة، مثل ‏مواجهة النفوذ ‏السوفييتي، والتعاون في مجالات التجارة والأمن، ولكن، مع قيام الثورة الإسلامية ‏في عام 1979، وتولي ‏آية الله الخميني السلطة، تبدلت الأمور بشكل جذري، إذ قطع الخميني ‏العلاقات مع إسرائيل واصفاً إياها ‏بالكيان الغاصب، واعتبرت الثورة الإسلامية أن إسرائيل هي ‏عدو، وأعلنت دعمها القضية الفلسطينية، ‏فقطعت العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وافتتحت ‏سفارة فلسطينية في طهران عام ١٩٧٩، ومنذ ذلك ‏الحين أصبح العداء لإسرائيل جزءاً من ‏الخطاب السياسي والديني الرسمي لإيران وبدأ عهد العداء ‏المعلن، فانضمت إيران إلى معسكر ‏الدول التي تعارض إسرائيل، بينما تحالفت إسرائيل مع دول أخرى ‏في المنطقة.‏

حرب الظل ‏

حرب الظل أو ما يعرف بحرب الخفاء بين إسرائيل وإيران تُعد واحدة من أكثر الصراعات ‏تعقيداً وغموضاً ‏في الشرق الأوسط، حيث تدور في الظل بعيداً عن الحروب التقليدية، لكنها لا ‏تقل خطورة أو تأثيراً عن ‏الحرب المعلنة أو المواجهة المباشرة، حيث بدأت سلسلة من العمليات ‏الخفية غير المعلنة رسمياً بين ‏العدوين اللدودين، وقد شملت هجمات سيبرانية، اغتيالات، ‏ضربات جوية محدودة، وتخريب منشآت ‏حساسة، غالباً ما تُنسب إلى أحد الطرفين من دون إعلان ‏رسمي من أي طرف، ولكن الهدف منها هو ‏إضعاف الآخر من دون الانزلاق إلى حرب شاملة، ‏وشملت هذه المواجهه الخفية الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا، حيث شرعت إسرائيل منذ ‏سنوات بتنفيذ غارات منتظمة على مواقع ‏إيرانية أو تابعة لحزب الله داخل سوريا، بهدف منع ‏ترسيخ وجود عسكري إيراني قرب حدودها، كذلك ‏طالت الاغتيالات والتخريب داخل إيران ‏فكان من أبرزها اغتيال العلماء النووين، كما نفذت إسرائيل ‏عمليات استخباراتية سرية ضد ‏أهداف إيرانية، بما في ذلك المنشآت النووية مثل مفاعل نطنز.‏
أيضاً كان للهجمات السيبرانية دور كبير في الحرب الخفية بين الطرفين حيث كان يبدو أن كلاً ‏منهما ‏منخرط في حرب إلكترونية شرسة، وكان أشهرها فيروس «ستاكس نت» الذي عطل ‏أجهزة الطرد ‏المركزي الإيرانية، ويُعتقد أن إسرائيل والولايات المتحدة طوّرتاه، وغالباً ما كان ‏يأتي الرد الإيراني عبر ‏وكلاء لها أو حلفائها مثل حزب الله أو مجموعات مسلحة تطلق على ‏نفسها المقاومة في العراق وسوريا، ‏من خلال إطلاق صواريخ أو طائرات مسيّرة على أهداف ‏إسرائيلية أو مصالح غربية.‏

البرنامج النووي الإيراني ‏

شكل البرنامج النووي الإيراني نقطة تحول في الصراع، وهنا بدأت المخاوف الإسرائيلية حيث ‏اعتبرت أن ‏هذا البرنامج يشكل تهديداً وجودياً لها، رغم تأكيد طهران الدائم والمستمر على أن هذا ‏البرنامج لم يكن ‏لأغراض عسكرية وإنما هو برنامج سلمي هدفه إنتاج الطاقة الكهربائية، ‏وتطوير الأبحاث العلمية، إلا أن ‏الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، كانت تخشى من أن ‏إيران تسعى إلى تطوير أسلحة نووية سراً، ‏ما يشكل تهديداً للأمن الإقليمي والعالمي، فسعت ‏واشنطن والغرب لفرض عقوبات دولية على إيران، ‏بهدف إجبارها على التخلي عن برنامجها ‏النووي.‏
فيما كانت إسرائيل تعتبر أن البرنامج النووي الإيراني أكبر تهديد وجودي لها، فقامت بتبني ‏موقف متشدد، ‏مؤكدة فيه أنها لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، ولجأت إلى المواجهة ‏المباشرة.‏

التصعيد المتزايد والمواجهة المباشرة ‏

في العقد الماضي شهد تصعيداً ملحوظاً في التوتر بين الطرفين، حيث تم تبادل التهديدات ‏العلنية، ‏ملوحين «الطرفين» بإمكانية شن هجمات عسكرية، فقامت إسرائيل باستهداف نقاط ‏عسكرية إيرانية في ‏سوريا، ولبنان، والعراق، بينما ردت إيران بتنفيذ هجمات بطائرات مسيرة ‏على أهداف إسرائيلية.‏
في صباح الجمعة الماضي، استيقظ العالم على أنباء ضربة استباقية إسرائيلية استهدفت مواقع ‏نووية ‏وعسكرية داخل العمق الإيراني، في عملية غير مسبوقة وُصفت بأنها الأقوى منذ ‏سنوات، فجاء الرد ‏الإيراني عبر مئات الطائرات المسيّرة ثم الصواريخ، وسط ترقب عالمي ‏وقلق من انفجار الأوضاع، ‏وتساؤل: هل تحولت حرب الظل إلى حرب مفتوحة؟ ‏
حتى الآن، لا إعلان رسمياً بالحرب، لكن التصعيد ‏بلغ مستوىً خطيراً وغير مسبوق.‏

مستقبل هذا الصراع والسيناريوهات المحتملة

يبقى الصراع بين إيران وإسرائيل مفتوحاً على عدة سيناريوهات، تتراوح بين التصعيد الشامل ‏والتهدئة ‏المؤقتة، وكل منها يحمل تداعيات إقليمية ودولية كبيرة، ورغم إن هذه الضربات لم ‏تتحول حتى الآن إلى ‏حرب شاملة مباشرة، إلا أن حدتها وأبعادها المتعددة تجعلها من أكثر ‏النزاعات تعقيداً وخطورة في المنطقة، ‏ومن غير المرجح أن تهدأ هذه التوترات في المستقبل ‏القريب ما دامت المصالح الاستراتيجية والعقائدية ‏للجانبين تتصادم بهذا الشكل المباشر.‏
ومع استمرار هذا التصعيد في نطاق محدود، مع تبادل الضربات المحدودة، والعمليات ‏الاستخباراتية ‏السرية، فقد يتحول إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، تشمل دولاً أخرى في ‏المنطقة، يُعد هذا السيناريو ‏الأكثر ترجيحاً على المدى القصير، حيث يستمر الطرفان في تبادل ‏الضربات الجوية والهجمات ‏السيبرانية، وأي خطأ في التقدير مثل «استهداف شخصية رفيعة أو ‏منشأة استراتيجية» قد يشعل حرباً ‏شاملة تمتد إلى لبنان وسوريا والعراق وغيرها من دول ‏المنطقة، وفي حال توسعت المواجهة لتشمل وكلاء ‏إيران مثل حزب الله والحوثيين، فقد تُفتح ‏عدة جبهات ضد إسرائيل، وهذا السيناريو قد يؤدي إلى دمار ‏واسع، ويدفع قوى كبرى مثل ‏الولايات المتحدة وروسيا للتدخل، مع تأثيرات كارثية على أسواق الطاقة ‏والاستقرار الإقليمي.‏
وفي هذا الحال لا بديل عن حل دبوماسي أمني سياسي أو اتفاق الضرورة إذا صح التعبير ‏لتجنب ‏الكارثة، ولكن رغم صعوبة تحقيقه، إلا أن التوصل إلى اتفاق غير مباشر قد يكون ممكناً ‏إذا شعرت ‏الأطراف أن التصعيد سيؤدي إلى تكلفة كارثية لا طاقة للطرفين في تحملها.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار