الصين تملأ الفراغ الأمريكي في قمة آسيان.. سباق نحو قيادة التجارة الحرة العالمية

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

 الحرية – أمين سليم الدريوسي :

في العاصمة الماليزية كوالالمبور، حيث التأم قادة آسيا والعالم في قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان»، برزت الصين كلاعب محوري يسعى إلى إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي، مستفيدة من تراجع الحضور الأمريكي، ومقدمةً نفسها كضامن للاستقرار الاقتصادي في شرق آسيا.

فبينما اكتفى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارة خاطفة استمرت ست ساعات فقط، كانت بكين ترسم ملامح جديدة للتكامل الاقتصادي الإقليمي، مدفوعةً بقلق دولي متزايد من سياسات الرسوم الجمركية والقيود التصديرية التي تهدد سلاسل الإمداد العالمية.

وفي كلمة له، دعا رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ إلى “التمسك بالتجارة الحرة ومعارضة جميع أشكال الحمائية”، في إشارة مباشرة إلى السياسات الأمريكية التي أثارت توتراً واسعاً بين واشنطن وشركائها التجاريين.

تحولات في القيادة الاقتصادية

القمة، التي جمعت قادة رابطة آسيان إلى جانب الصين واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، تحوّلت إلى منصة لإعادة تعريف ملامح القيادة الاقتصادية العالمية، لم تعد الولايات المتحدة تحتكر زمام المبادرة فيها، رغم حضور رئيسها دونالد ترامب ومشاركته في جلسات استراتيجية، بل باتت الصين تتقدم بخطاب اقتصادي متماسك، مدعوم بتحالفات إقليمية وشراكات متعددة الأطراف، ما يعكس تحوّلاً بنيوياً في موازين القوى الاقتصادية.

وبينما سعت واشنطن إلى ترسيخ دورها عبر الوساطة في اتفاقيات سلام وتوقيع تفاهمات تجارية، بدا أن بكين تفرض إيقاعها الخاص، مستندة إلى منظومة «آسيان +»” التي تضمها إلى جانب اليابان وكوريا الجنوبية، في مشهد يعيد رسم خرائط النفوذ في آسيا.

الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة تعود للواجهة

قمة الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، التي تضم دول آسيان إلى جانب الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، عقدت أول اجتماع لها منذ عام 2020 بدعم مباشر من بكين.

ويغطي هذا التكتل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويصفه محللون بأنه “حائط صد محتمل” في وجه السياسات الحمائية الأمريكية، خاصة مع تصاعد الخلافات التجارية بين واشنطن وحلفائها.

كندا والبرازيل

في سياق متصل، عبّر رئيس الوزراء الكندي مارك كارني عن استعداده للقاء ترامب لنزع فتيل التوتر، بعد إعلان سياسي في أونتاريو أثار غضب واشنطن. لكن ترامب، وهو في طريقه إلى اليابان، صرّح بأنه “لا يريد مقابلة كارني في الوقت الحالي”، ما يعكس تعقيداً متزايداً في العلاقات التجارية بين البلدين.

من جهته، قال الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا إن ترامب وعده باتفاق تجاري أكثر ملاءمة من الرسوم الحالية البالغة 50% على السلع البرازيلية، مؤكداً أن بلاده تسعى إلى إعادة التوازن في علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة.

قلق دولي

الاتحاد الأوروبي واليابان عبّرا عن قلق بالغ من قيود الصين على تصدير المعادن الأرضية النادرة، التي تسيطر بكين على أكثر من 90% من إمداداتها العالمية.

هذه المواد تُعدّ حيوية لصناعات التكنولوجيا الفائقة، بما فيها السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات والصواريخ، ما يجعلها ورقة ضغط استراتيجية في الحرب التجارية.

رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا قال إنه نقل لرئيس مجلس الدولة الصيني قلقه بشأن توسيع بكين لقيود التصدير، مشيراً إلى أن وفداً صينياً رفيع المستوى سيزور بروكسل قريباً لمناقشة هذه القضايا.

الصين كـ«حارس» للتجارة الحرة

وفي الوقت الذي تحاول فيه الصين تقديم نفسها كمدافع عن التجارة الحرة، عبّر المتحدث باسم وزارة الخارجية اليابانية توشيهيرو كيتامورا عن شكوكه، قائلاً إن «الصين تحاول الاستفادة من قضايا الرسوم الجمركية الأمريكية لتبدو وكأنها الحارس أو البطل لنظام التجارة الحرة».

وأضاف أن هذا التناقض بين الخطاب والممارسة يثير تساؤلات حول نوايا بكين الحقيقية، خاصة في ظل توسعها الاقتصادي السريع، واستخدامها للموارد الاستراتيجية كورقة تفاوضية.

من قيادة السوق إلى قيادة النظام

ما حدث في قمة آسيان 2025 لا يمكن اختزاله في مجرد اتفاقيات تجارية أو لقاءات دبلوماسية، بل يعكس تحوّلاً عميقاً في بنية القيادة الاقتصادية العالمية.

الصين لم تعد تكتفي بدور الشريك التجاري، بل تسعى لتثبيت موقعها كقائد اقتصادي عالمي، في وقت تتراجع فيه الولايات المتحدة عن دورها التقليدي.

وبينما تتصاعد التوترات الجمركية، تستثمر بكين في الفراغ الأمريكي لتوسيع نفوذها عبر تحالفات إقليمية وشراكات متعددة الأطراف، ما قد يعيد تشكيل خريطة التجارة العالمية لعقود قادمة.

Leave a Comment
آخر الأخبار