الحرية- إلهام عثمان:
قبل أن تصبح أسلوباً يملأ صفحات مجلات الديكور، كانت “البوهيمية” أسلوب حياة؛ ثورة صامتة قادها فنانون وكُتاب باريس في القرن التاسع عشر، إذ استبدلوا الثراء المادي بحرية الفكر وكنوز السفر.
أما اليوم؛ انتقلت هذه الروح من شوارع مونمارتر إلى جدران منازلنا، لتطرح سؤالًا أعمق من مجرد اختيار الألوان، كيف نحول تمرد الأمس الفني إلى وصفة علمية للسعادة في بيوتنا باستخدام لطراز البوهيمي.
البوهيمي على أرض الواقع
أبو عدي رجل أعمال يقول: أحب السفر وأحب أن أزين غرفتي بقطع تذكارية من رحلاتي، لأنها تحكي قصتي وتجعل المكان يعبر عن هويتي.
((يعتقد الكثيرون أن الطراز البوهيمي هو دعوة للفوضى، وهذا أكبر خطأ يقع فيه الهواة، بينما يأتي هذا الطراز كعمل متمرد يحررنا من “ديكتاتورية الكتالوجات”، وهو ما يُعرف نفسياً بـ”مقاومة التفاعل”.))
بينما تضيف رهف خريجة كلية فنون جميلة: دائماً ما أستخدم أثاثاً عتيقاً وملطخات طبيعية، لأنها تذكرني بجمال العيوب وتمنحني راحة نفسية.
استجابة نفسية
هذا الشعور ليس صدفة، بل هو استجابة نفسية عميقة، هذا ما بينته خبيرة علم النفس البيئي ماري حداد من خلال حوار مع “الحرية”، لافتةً إلى أن هذا الأسلوب يخاطب ثلاث حاجات إنسانية أساسية:
– أولاً: الحاجة إلى الحرية، في عصر تهيمن عليه صور التصاميم المثالية، حيث يأتي الطراز البوهيمي كعمل متمرد يحررنا من ديكتاتورية الكتالوجات، فهو يمنحنا الإذن بكسر القواعد، وهو ما يُعرف نفسياً بـ”مقاومة التفاعل”، ما يعزز شعورنا بالسيطرة على مساحتنا الشخصية.
– ثانياً: يعتمد هذا الطراز على الذاكرة العرضية، حيث تكون القطع المستخدمة غالباً هدايا تذكارية من الأسفار أو قطعاً موروثة، وتضيف: هذه الأشياء ليست مجرد ديكور، بل هي سجل مادي لذكرياتنا، ما يحول المنزل إلى مكان يحكي قصتنا ويقوي ارتباطنا العاطفي به.
– ثالثاً: يحتفي الطراز البوهيمي بالعيوب، كالخشب المتشقق والنسيج الباهت، وهو ما يتماشى مع فلسفة “وابي-سابي” اليابانية التي تجد الجمال في النقص، في عالم يسعى للكمال، بالمعنى الأصح أنه يمنحنا قبول العيوب، وبالتالي راحة نفسية هائلة.
تنظيم الحرية العشوائية
وهنا ننتقل من الفلسفة إلى الواقع، وعن دور المصمم في تنظيم الحرية العشوائية، وكيف نترجم هذا الشعور إلى تصميم ناجح دون الوقوع في فخ الفوضى المزعجة.
العشا: مهمة المصمم تنظيم قصة العميل البصرية وتحويل ذكرياته إلى لغة ملموسة
ولإلقاء المزيد من الضوء على هذه الفن، تحدثنا مع خبير التصميم الداخلي م. أحمد العشا الذي لخص لنا جوهر العملية قائلًا: يعتقد الكثيرون أن الطراز البوهيمي هو دعوة للفوضى، وهذا أكبر خطأ يقع فيه الهواة، لأنه في واقع الأمر هو الأصالة الموجهة، وهنا تأتي مهمتي كمصمم ليس كجمع لقطع عشوائية وتكديسها، بل تنظيم قصة العميل البصرية وتحويل ذكرياته إلى لغة محسوسة.
الخيط الرابط
كما أضاف العشا إن السر يكمن في إيجاد الخيط الرابط الذي يمنع المساحة من التحول إلى ضجيج بصري؛ على سبيل المثال، جدار بلون ترابي محايد يسمح للألوان الزاهية في المنسوجات بأن تبرز دون أن تتصارع، بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام مادة طبيعية واحدة بشكل متكرر، كالخيزران أو الخشب الفاتح وذلك لتوحيد قطع أثاث من عصور وأماكن مختلفة.
كما أكد العشا على أنه “بدون توجيه مدروس، تفقد القطع الفردية قيمتها وتصبح مجرد تكديس.
انعكاس لما نحن عليه
وهنا ختمت حداد حديثها: بأن الطراز البوهيمي الناجح هو حوار متناغم ومنسق بين القطع التي تجمع ذكرياتنا، وأنها ليست عبارة عن معرض مكتظ بالأشياء الجميلة، وأن الفن البوهيمي ما هو إلا انعكاس لمن نحن عليه بكل تعقيداتنا وقصصنا وعيوبنا الجميلة، و يكون ذلك من خلال فهم علم النفس وراء اختياراتنا وتطبيق مبادئ التصميم الذكية، وبتحويل أي مساحة إلى ملاذ شخصي لا يبدو رائعاً فحسب بل لشيء يغذي أرواحنا.