الحرية – فردوس دياب:
ﻫﻞ ﻫﻨﺎﻙ “ﻃﻼﻕ ﺻﺎﻣﺖ”؟.. نعم هناك “طﻼﻕ صامت”، فهو ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻻﻧﻔﺼﺎﻝ ﺍﻟﻌﺎﻃﻔﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﻦ ﺩﻭﻥ ﺣﺪﻭﺙ ﺍﻟﻄﻼﻕ ﺍﻟﺮﺳﻤﻲ، ﻭﻳﺤﺪﺙ ﺫﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻨﻌﺪﻡ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ ﻭتغيب ﺍﻟﻤﻮﺩﺓ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ، ﻤﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﺎﺓ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﺑﻼ ﻋﻼﻗﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ.
الإهمال وغياب الحوار
للغوص أكثر في ماهية هذا الموضوع الأسري الهام، ومعرفة أسبابه وآثاره على الأسرة والمجتمع، التقت صحيفة “الحرية” الدكتورة منى كشيك الأستاذة في قسم أصول التربية في كلية التربية بجامعة دمشق، والتي بدأت حديثها بتعريف “ﺍﻟﻄﻼﻕ ﺍﻟﺼﺎﻣﺖ” بأنه نوع ﻣﻦ ﺍﻻﻧﻔﺼﺎﻝ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺮﺳﻤﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﻦ ﻻ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺇﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺃﻭ تدخلاً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ، و ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺗﺄﺛﻴﺮﺍﺕ ﻋﺎﻃﻔﻴﺔ ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﺃﻛﺜﺮ ﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻼﻕ ﺍﻟﺮﺳﻤﻲ.
وعن أبرز أسبابه، ذكرت الدكتورة كشيك، أن ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﻦ لجهة ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻭﺍﻷﻫﺪﺍﻑ و ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺕ، يعتبر من أهم الأسباب التي تؤدي إليه، لأن ذلك يساهم في تباعد الزوجين، وكذلك فإن ﺍﻹﻫﻤﺎﻝ وﻋﺪﻡ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﺎﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﺠﺴﺪﻳﺔ ﻟﻶﺧﺮ ﻳﻤﻜﻦ أﻥ ﻳﺆﺩﻱ إﻟﻰ التباعد بينهما وصولاً إلى انهيار المحبة والمودة، كما أن ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ وﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ، وتوقف ﺍﻟﺰﻭﺟين ﻋﻦ ﻣﺸﺎﺭﻛﺔ ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﻤﺎ ﻭﺃﻓﻜﺎﺭﻫﻤﺎ مع بعضهما بعضاً، يؤدي لا محالة إلى ﺗﺒﺎﻋﺪﻫﻤﺎ، هذا بالإضافة إلى أن ﺍﻟﻀﻐﻮﻃﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ كالقلق والاكتئاب ﻳﻤﻜﻦ أﻥ ﺗﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ مع بعضهما ﺑﺸﻜﻞ صحيح.
تراكم الخلافات
ومن الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق الصامت أيضاً، بحسب الدكتورة كشيك، اﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﻌﺪﻡ ﺍﻟﺮﺿى ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ الأسرية وعدم ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻭﺍﻟﺨﻼﻓﺎﺕ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ التي ﻳﻤﻜﻦ أﻥ ﻳﺆﺩﻱ ﺗﺮﺍﻛﻤﻬﺎ إلى جعل ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ بين الزوجين أكثر ﺗﻮﺗﺮﺍً، إضافة إلى اﻟﺮﻭﺗﻴﻦ ﺍﻟﻴﻮﻣﻲ وعدم العمل على تجديد اﻟﻌﻼﻗﺔ ما ﻳﺆﺩﻱ ﺍﻟﻰ ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﺸﻐﻒ ﻭﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ المتبادل ين الزوجين، وكذلك الضغوطات المادية ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ و ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﺮﻳﺔ، والتي من شأنها أيضاً أن ﺗﺆﺛﺮ ﺳﻠﺒﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ الزوجية، ﻭﺗﺆﺩﻱ إلﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻼﻕ ﺍﻟﺼﺎﻣﺖ، ﺣﻴﺚ ﻳﻌﻴﺶ ﺍﻟﺰﻭجان معاً ولكن دون أي تواصل حقيقي.
الشعور بالغربة
وعن الآثار النفسية التي يتركها على الزوجين، أوضحت الدكتورة كشيك أن ﺍﻟﻄﻼﻕ ﺍﻟﺼﺎﻣﺖ ﻳﺘﺮﻙ آثاراً ﻧﻔﺴﻴﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻋﻠﻰ كلا الطرفين، منها اﻟﺸﻌﻮﺭ باﻟﻐﺮﺑﺔ رغم وجودهما مع بعضهما تحت سقف واحد، وكذلك اﻟﻘﻠﻖ ﻭﺍﻻﻛﺘﺌﺎﺏ ﻭﺍﻟﺘﻮﺗﺮ ﻭﺗﺮﺍﻛﻢ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺠﻮﺓ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻭﻳﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﺩﻭرﺓ ﺣﻴﺎﺗﻬﻤﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ.
تأثيره على الأبناء
وبالنسبة لآثاره على أفراد الأسرة، لاسيما الأطفال، أكدت الأستاذة الجامعية أن ﺍﻟﻄﻼﻕ ﺍﻟﺼﺎﻣﺖ يترك تأثيراً كبيراً على ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ، لأنه يخلق ﺑﻴﺌﺔ أسرﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺘﻘﺮﺓ، من شأنها أن تؤدي إلى تعزيز ﻣﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﻭﺍﻟﺤﺰﻥ عند الأبناء، بسبب عدم استقرار العلاقة بين الوالدين ما يؤدي إلى شعورهم بالإضافة إلى ما سبق بالخوف وفقدان الأمان، هذا إضافة إلى ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺳﻠﻮﻛﻴﺔ ﻭمدرسية، كصعوبة ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ في ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ والتراجع في الاداء المدرسي، واللجوء إﻟﻰ ﺳﻠﻮﻛﻴﺎﺕ ﻋﺪﻭﺍﻧﻴﺔ وﺍﻧﻄﻮﺍﺋﻴﺔ، ومواجهتهم ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺻﺤﻴﺔ ﻣﻊ أقﺮﺍﻧﻬﻢ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺸﺎعر ﺍﻟﺨﻮﻑ وﻋﺪﻡ ﺍﻟﺜﻘﺔ.
الحوار وحلّ المشكلات
وذكرت الدكتورة الجامعية في ختام حديثها مجموعة من الخطوات ﻹﻋﺎﺩﺓ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ بين الزوجين ﻭﺗﺤﺴﻴﻦ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ من خلال ﻓﺘﺢ ﻗﻨﻮﺍﺕ ﻟﻠﺤﻮﺍﺭ، حيث ﻳﺘﺤﺪﺙ ﺍﻟﺰﻭﺟﺎﻥ ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﻤﺎ ﻭﺃﻓﻜﺎﺭﻫﻤﺎ ﺑﺼﺮﺍﺣﺔ مع اختيار ﺍﻷﻭﻗﺎﺕ المناسبة والهادئة للحوار والنقاش، كما أنه أيضاً إذا استدعى الأمر ﺍﺳﺘﺸﺎﺭﺓ ﻣﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﻌﻼﺝ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍج للمساعدة ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻤﺸﻜﻼﺕ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ للعمل على حلها، كما يجب ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ، و ﻭﺿﻊ أﻫﺪﺍﻑ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻳﻤﻜﻦ أن تساعد ﻓﻲ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﻧﺤﻮ أﻓﻀﻞ، وأن ﻳﻘﻮﻡ ﻛﻞ ﻃﺮﻑ ﺑﺘﻘﻴﻢ ﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﺎنت ﻫﻨﺎﻙ ﺭﻏﺒﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻻﺳﺘﻤﺮﺍﺭ، ﻭﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﻨﺠﺢ ﺍﻟﺤﻠﻮﻝ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻷﻓﻀﻞ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﻼﻕ ﺍﻟﺮﺳﻤﻲ ﻛﺨﻴﺎﺭ ﻧﻬﺎﺋﻲ.