“العدو الثاني” للاقتصاد ..!

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية- عمران محفوض:

لطالما تحدثنا عن الفساد ودور خفافيشه في تدمير الثقة الشعبية بالمؤسسات الحكومية، وسعيهم الدائم إلى هضم موارد الدولة وصولاً إلى تصفير الخزينة العامة للدولة، دون الربط بين الفساد والهدر كظاهرتين تتبادلان الأدوار السلبية ذاتها في تدمير الاقتصاد الوطني رغم أن مصادر شبه رسمية وصفت الهدر؛ قبل عدة سنوات؛ بأنه “العدو الثاني للدولة بعد الفساد نظراً لارتفاع نسبته إلى نحو 40 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة من أعلى النسب عالمياً”.

ولو فصّلنا قليلاً في شرح مفاعيل الهدر على المستوى القطاعي لوجدنا أننا نخسر 40 % من الطاقة الكهربائية المولدة قبل أن تصل إلى المنازل أو المصانع، وهو هدر بلغت قيمته أكثر من ملياري دولار سنوياً – حسب بيانات سابقة لوزارة الكهرباء – وهذه الكمية المهدورة “كفيلة في سد حاجة كامل البلد من الطاقة”.

أما من جهة هدر المياه، فإن نسبة الفاقد تتجاوز 25 %، وربما أكثر عندما يتعلق الأمر بالري الجائر، وشبكات مياه الشرب المهترئة، ومغاسل السيارات وغيرها.

وطبعاً ليس الوضع أفضل في القطاع الإنتاجي؛ إذ كانت نسب الهدر في معظم الشركات قريبة من ال40% أو أكثر قليلاً في الصناعات الغذائية، ناهيك عن فظائع الهدر غير المقروءة أو المرئية في القطاع الخاص كونه مال شخصي، وكل ما يعني الحكومة مقدار الضرائب التي يسددها رغم أن حوامل الطاقة التي تغذي معامله تتحمل الخزينة العامة فارق سعرها المدعوم فضلاً عن استنزاف الحوض المائي الجوفي بشكل غير عقلاني وزد على ذلك التهرب الضريبي.

لعل عبارة “الهدر هو العدو الثاني بعد الفساد” أقل وصف يمكن نعته به، كونه يؤدي إلى تراجع الإنتاج، وتدمير البنية التحتية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وتدهور الخدمات الأساسية .. إلخ، لذلك علينا ألّا نقف عند حد توصيف مظاهر الهدر؛ بل العمل جدياً للتخلص من نسبته العالية في جميع القطاعات الاقتصادية و الخدمية، أو تخفيضها إلى الحدود العالمية، ما يرتّب على المؤسسات المعنية وضع الخطط والسياسات الحكومية القادرة على إحداث انقلاب جذري على كل العادات والممارسات التي جعلت منّا مواطنين لا يعرفون كيف يستخدمون مواردهم، ولا كيف يحافظون عليها، وذلك عبر تنفيذ عدة إجراءات ..

– تطبيق قوانين صارمة لمكافحة الفساد، ومحاسبة المتورطين بقضاياه.

– الاستثمار في التعليم والتدريب لتأهيل الكوادر الإدارية القادرة على قيادة المؤسسات بكفاءة ونزاهة.

– البدء في إعادة الإعمار للبنية التحتية المتضررة وفق شروط فنية وتقنية وإدارية عالمية.

– ضمان الشفافية في إدارة الموارد والمساءلة عن أي هدر.

– دعم القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية لزيادة الإنتاج بلا هدر.

وزد على ذلك: لعل هذا هو الوجه المعتاد لرؤيته من الهدر، وما خفي أعظم، فالثغور التي حفرها على مدى عقود من الزمن في جسد الاقتصاد السوري باتت عميقة، لدرجة أن الكادر البشري أصبح جزءاً لا يتجزأ من منظومة الهدر، وأضحى التماهي بين الجسدين البشري والمادي اللذين يساهمان في تكوين ظاهرة الهدر غير محسوس لحد اعتبارهما مكوناً واحداً، فلا يمكن استبعاد أحدهما دون إقصاء الأخير، وهو إجراء فيما لو تم لأصبحنا “فرجة” للناس على المستويين المحلي والدولي.

Leave a Comment
آخر الأخبار