الحرية – د. رحيم هادي الشمخي:
في الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، تمتلك جميع الدول المعنية بها، بصورة مباشرة.. تمتلك هامش مناورة بشكل أو بآخر، إلا العراق فهو في الموقع الأكثر حرجاً وتهديداً.
دائماً ما كان العراق يوصف بأن موقعه الجغرافي وضعه في ورطة دائمة ما بين إيران ودول المنطقة. اليوم هذه الورطة تتسع وتتعمق كلما استشرست الضربات الإيرانية الإسرائيلية مهددة بتحويل المنطقة كلها إلى جحيم.
وإذا ما تجاوزت الحرب أسبوعها الأول، باتجاه صراع مفتوح فإن العراق عندها سيتحول من موقع الورطة إلى موقع الضحية، من دون أن يكون لديه القدرة على التحرك والاحتواء.
كثير من المراقبين يحمّلون العراق نصف المسؤولية عن هذا الوضع بفعل علاقاته مع إيران، ويتحدثون عن عراقين: العراق الرسمي وعراق الفصائل، ويجدون أن العراق المنقسم بين هذين الجانبين، بالسياسات والقرارات وحتى في الميدان، يتحمل مسؤولية أنه اليوم في ورطة كبيرة، وأنه في موقع محشور بصورة خطيرة ما بين إيران وإسرائيل، ولكن باعتقادنا أن في هذا نوعاً من التجني على العراق الرسمي الذي يسعى أقصى جهده لأن تمر عاصفة الصواريخ والمسيرات «من إيران ومن إسرائيل على السواء» بأقل الأضرار، أما عراق الفصائل فهذا له حديث آخر، رغم إنه بدوره يمارس عملية ضبط والتزام بمسار العراق الرسمي، السياسي والدبلوماسي، لكنه التزام مهدد بالزوال في حال طالت الحرب، وفي حال وجدت إيران نفسها في موقع المحاصر بصورة مصيرية، عندها سيكون لهذه الفصائل دورها على الأكيد.
بكل الأحوال وحتى يصل العراق إلى مرحلة إيران «المحاصرة» فإنه لا يوفر جهداً في سبيل النجاة، ورغم إنه أعلن دعمه لإيران إلا أنه طالبها بالمقابل عدم انتهاك أجوائه، تماماً كما طالب بردع إسرائيل عن استباحة أجوائه، ودعا مجلس الأمن لاتخاذ اجراءات بهذا الخصوص.
لا شك في أن مهمة النجاة صعبة جداً، وهذا مردّه بالدرجة الأولى إلى أن المنطقة برمتها باتت منزوعة القدرة على التحرك، ونحن نتحدث هنا عن دول الجغرافيا ما بين إيران وإسرائيل، وذلك لكثير من الاعتبارات والعوامل، أهمها قسرية المرحلة الانتقالية باتجاه رسم خريطة نهائية للمنطقة.
هناك من يضع سوريا والأردن ولبنان، وحتى اليمن، في كفة المخاطر نفسها مع العراق، لكنها عملياً ليست كذلك، لأن الأجواء العراقية هي الأكثر استباحة، وكلما اشتدت الحرب كلما باتت الاستباحة أكبر وأخطر. ربما سوريا هي الأقرب للعراق من ناحية المخاطر الكبيرة المحتملة لكنها رغم ذلك في موقع أفضل، ولديها خيارات أكبر للنجاة، سواء في هذه المرحلة أو في المرحلة اللاحقة إذا ما اتخذت الحرب أبعاداً جغرافية أوسع، هذا لا يعني أنها ليست متضررة حالياً، ولكن حتى الآن يمكنها احتواء الضرر ومنع اتساعه، العراق مثله مثل سوريا «وبقية الدول المذكورة آنفاً» ليس مسرحاً مباشراً للحرب لكنه يشكل مسرحاً موازياً لا يمكن الاستغناء عنه في توجيه الضربات، سواء بالنسبة لإيران أو لإسرائيل.
ولا يخفى هنا أن إيران تستغل العراق كقاعدة لوجستية، سواء من خلال الفصائل الموالية لها أو من خلال السلاح الثقيل الذي تنقله لها، بما فيه الصورايخ البالستية «إيران حسب المتداول نصبت منظومة دفاع جوي متطورة في محافظة واسط تحت ستار وغطاء بأنها تابعة لمؤسسة الحشد الشعبي»، العراق الرسمي يعرف كل هذا، لذلك نقول إن مهمة النجاة صعبة جداً، حيث يتم النظر إلى هذه الفصائل باعتبار أنها تجعل العراق شريكاً غير مباشر إلى جانب إيران، وهذا بلا شك سيدفع بالعراق نحو التورط أكثر في حال طالت الحرب واتسعت.
التورط العراقي، له شق متعلق بسوريا، ونحن هنا نتحدث عن الحدود وضبطها في ظل نشاط الفصائل فيها، وفي ظل أن التنسيق الحدودي بين البلدين ما زال دون المستوى المطلوب. وعليه قد نشهد تحركاً من البلدين لسد الثغرات والفجوات في التنسيق الحدودي لمنع ما هو أخطر.. والأخطر هنا – في جزء منه –أن يستدعي عدم التنسيق (بالمستوى المطلوب) مواجهات بين سوريا والفصائل العراقية. لا يخفى أن هناك تعزيزات أمنية سورية متواصلة باتجاه الحدود، فماذا عن العراق وعملية ضبط الفصائل؟
مصدر أمني عراقي تحدث أمس الاثنين عن تدابير أمنية وعسكرية وجوية، مشيراً إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني وجّه بتحصين المنشآت المهمة في البلاد، لا سيما النفطية ونشر منظومات الدفاع الجوي، وأهمية إجراء تحديث على توزيع الانتشار العسكري للقواعد والمعسكرات والمقرات العامة، مبيناً أن التطورات الأمنية السريعة واشتداد وقع الحرب، يجعل العراق مجبراً على اتخاذ تدابير أمنية وعسكرية وجوية عاجلة، لحماية السيادة العراقية، مع التأكيد على ضرورة منع الانزلاق في هذه الحرب.
مرة أخرى نقول المهمة صعبة جداً، والعراق مثله مثل جميع دول المنطقة لا يملك الكثير للنجاة، لأن النجاة لا تتوقف عليه وعلى ما يتخذه من إجراءات، تماماً كما حال الدول المعنية سواء اللصيقة جغرافياً أو الأبعد قليلاً.. النجاة تتوقف على الجهود الدولية لمنع توسع الحرب وخروجها عن السيطرة، ولكن هذه الجهود للأسف ما زالت بحدها الأدنى، ومن هنا تنطلق المخاوف الهائلة بخصوص أن المنطقة تتجه نحو حرب شاملة لن ينجو أي أحد، أي دولة، من شرورها.
كاتب وأكاديمي عراقي