العراق بين مطرقة إيران وسندان إسرائيل.. والتنسيق مع سوريا شريان نجاة

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – د. رحيم هادي الشمخي:

في الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، تمتلك جميع الدول المعنية بها، بصورة مباشرة.. تمتلك هامش مناورة ‏بشكل أو بآخر، إلا العراق فهو في الموقع الأكثر حرجاً وتهديداً. ‏
دائماً ما كان العراق يوصف بأن موقعه الجغرافي وضعه في ورطة دائمة ما بين إيران ودول المنطقة. ‏اليوم هذه الورطة تتسع وتتعمق كلما استشرست الضربات الإيرانية الإسرائيلية مهددة بتحويل المنطقة ‏كلها إلى جحيم. ‏
وإذا ما تجاوزت الحرب أسبوعها الأول، باتجاه صراع مفتوح فإن العراق عندها سيتحول من موقع ‏الورطة إلى موقع الضحية، من دون أن يكون لديه القدرة على التحرك والاحتواء. ‏

كثير من المراقبين يحمّلون العراق نصف المسؤولية عن هذا الوضع بفعل علاقاته مع إيران، ويتحدثون ‏عن عراقين: العراق الرسمي وعراق الفصائل، ويجدون أن العراق المنقسم بين هذين الجانبين، ‏بالسياسات والقرارات وحتى في الميدان، يتحمل مسؤولية أنه اليوم في ورطة كبيرة، وأنه في موقع ‏محشور بصورة خطيرة ما بين إيران وإسرائيل، ولكن باعتقادنا أن في هذا نوعاً من التجني على العراق ‏الرسمي الذي يسعى أقصى جهده لأن تمر عاصفة الصواريخ والمسيرات «من إيران ومن إسرائيل على ‏السواء» بأقل الأضرار، أما عراق الفصائل فهذا له حديث آخر، رغم إنه بدوره يمارس عملية ضبط ‏والتزام بمسار العراق الرسمي، السياسي والدبلوماسي، لكنه التزام مهدد بالزوال في حال طالت الحرب، ‏وفي حال وجدت إيران نفسها في موقع المحاصر بصورة مصيرية، عندها سيكون لهذه الفصائل دورها ‏على الأكيد.‏
بكل الأحوال وحتى يصل العراق إلى مرحلة إيران «المحاصرة» فإنه لا يوفر جهداً في سبيل النجاة، ‏ورغم إنه أعلن دعمه لإيران إلا أنه طالبها بالمقابل عدم انتهاك أجوائه، تماماً كما طالب بردع إسرائيل ‏عن استباحة أجوائه، ودعا مجلس الأمن لاتخاذ اجراءات بهذا الخصوص.‏

لا شك في أن مهمة النجاة صعبة جداً، وهذا مردّه بالدرجة الأولى إلى أن المنطقة برمتها باتت منزوعة القدرة ‏على التحرك، ونحن نتحدث هنا عن دول الجغرافيا ما بين إيران وإسرائيل، وذلك لكثير من الاعتبارات ‏والعوامل، أهمها قسرية المرحلة الانتقالية باتجاه رسم خريطة نهائية للمنطقة.‏

هناك من يضع سوريا والأردن ولبنان، وحتى اليمن، في كفة المخاطر نفسها مع العراق، لكنها عملياً ‏ليست كذلك، لأن الأجواء العراقية هي الأكثر استباحة، وكلما اشتدت الحرب كلما باتت الاستباحة أكبر ‏وأخطر. ربما سوريا هي الأقرب للعراق من ناحية المخاطر الكبيرة المحتملة لكنها رغم ذلك في موقع ‏أفضل، ولديها خيارات أكبر للنجاة، سواء في هذه المرحلة أو في المرحلة اللاحقة إذا ما اتخذت الحرب ‏أبعاداً جغرافية أوسع، هذا لا يعني أنها ليست متضررة حالياً، ولكن حتى الآن يمكنها احتواء الضرر ‏ومنع اتساعه، العراق مثله مثل سوريا «وبقية الدول المذكورة آنفاً» ليس مسرحاً مباشراً للحرب لكنه ‏يشكل مسرحاً موازياً لا يمكن الاستغناء عنه في توجيه الضربات، سواء بالنسبة لإيران أو لإسرائيل.‏

ولا يخفى هنا أن إيران تستغل العراق كقاعدة لوجستية، سواء من خلال الفصائل الموالية لها أو من خلال ‏السلاح الثقيل الذي تنقله لها، بما فيه الصورايخ البالستية «إيران حسب المتداول نصبت منظومة دفاع ‏جوي متطورة في محافظة واسط تحت ستار وغطاء بأنها تابعة لمؤسسة الحشد الشعبي»، العراق ‏الرسمي يعرف كل هذا، لذلك نقول إن مهمة النجاة صعبة جداً، حيث يتم النظر إلى هذه الفصائل باعتبار ‏أنها تجعل العراق شريكاً غير مباشر إلى جانب إيران، وهذا بلا شك سيدفع بالعراق نحو التورط أكثر في ‏حال طالت الحرب واتسعت.‏

التورط العراقي، له شق متعلق بسوريا، ونحن هنا نتحدث عن الحدود وضبطها في ظل نشاط الفصائل ‏فيها، وفي ظل أن التنسيق الحدودي بين البلدين ما زال دون المستوى المطلوب. وعليه قد نشهد تحركاً من ‏البلدين لسد الثغرات والفجوات في التنسيق الحدودي لمنع ما هو أخطر.. والأخطر هنا – في جزء منه –‏أن يستدعي عدم التنسيق (بالمستوى المطلوب) مواجهات بين سوريا والفصائل العراقية. لا يخفى أن ‏هناك تعزيزات أمنية سورية متواصلة باتجاه الحدود، فماذا عن العراق وعملية ضبط الفصائل؟ ‏

مصدر أمني عراقي تحدث أمس الاثنين عن تدابير أمنية وعسكرية وجوية، مشيراً إلى أن رئيس ‏الحكومة محمد شياع السوداني وجّه بتحصين المنشآت المهمة في البلاد، لا سيما النفطية ونشر منظومات ‏الدفاع الجوي، وأهمية إجراء تحديث على توزيع الانتشار العسكري للقواعد والمعسكرات والمقرات ‏العامة، مبيناً أن التطورات الأمنية السريعة واشتداد وقع الحرب، يجعل العراق مجبراً على اتخاذ تدابير ‏أمنية وعسكرية وجوية عاجلة، لحماية السيادة العراقية، مع التأكيد على ضرورة منع الانزلاق في هذه ‏الحرب.‏

مرة أخرى نقول المهمة صعبة جداً، والعراق مثله مثل جميع دول المنطقة لا يملك الكثير للنجاة، لأن ‏النجاة لا تتوقف عليه وعلى ما يتخذه من إجراءات، تماماً كما حال الدول المعنية سواء اللصيقة جغرافياً ‏أو الأبعد قليلاً.. النجاة تتوقف على الجهود الدولية لمنع توسع الحرب وخروجها عن السيطرة، ولكن هذه ‏الجهود للأسف ما زالت بحدها الأدنى، ومن هنا تنطلق المخاوف الهائلة بخصوص أن المنطقة تتجه نحو ‏حرب شاملة لن ينجو أي أحد، أي دولة، من شرورها.‏

كاتب وأكاديمي عراقي

Leave a Comment
آخر الأخبار