العراق .. ذروة الترقب والمخاوف وحرص على أمن سوريا واستقرارها

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – د. رحيم هادي الشمخي:
لا يستطيع الجوار السوري إلا أن يكون في ذروة الاستنفار عندما تقع أحداث في سوريا مثل أحداث السويداء. يكاد الجميع يتساوى في ذلك بفوارق بسيطة جداً وإن كان العراق يعتبر نفسه في قمة هذه الذروة بسبب كثير من العوامل والأسباب التي تكرست بصورة أساسية خلال عقد ونصف العقد تقريباً من الحرب في سوريا، وحيث كان العراق لصيقاً جداً بسوريا بفعل سياسات المحور بامتداداتها الإقليمية/الدولية، وحيث إن الجغرافيا تتداخل مع ديمغرافيا مترابطة بفعل علاقات اجتماعية/عشائرية عززتها مسارات القربى والتزاوج، وحتى العادات والتقاليد إذا ما كنا نتحدث عن المدن والبلدات الحدودية.
وما زال العراق لصيقاً بسوريا وإن كانت سياسة المحاور انتهت، ولا يستطيع إلا أن يكون كذلك، فبالنسبة لنا نحن العراقيين لا شيء تغيّر على المستوى الاجتماعي، أما على المستوى السياسي الرسمي فما زال العراق يسعى لأفضل علاقات مع سوريا، وتم قطع شوط مهم في هذا الإطار. صحيح أن هناك قضايا ما زالت عالقة، أهمها الأمن والحدود لكن العناوين الرئيسة متفق عليها، كما أن طرق التنسيق والتعاون مفتوحة بين الجانبين وإن كانت تتوقف بين حين وآخر.
لذلك يجد العراق نفسه معنيّاً أكثر من غيره، فهو يتأثر بصورة مباشرة، باعتبار أن كل حدث في سوريا له ارتداداته الحادة على دول الجوار، التي هي بمجملها ليست في وضع يتحّمل المزيد من التطورات الدراماتيكية. وإذا كان الحديث متعلقاً بالعراق فإن المسألة تبدو أكثر تعقيداً وحرجاً، فهناك 600 كلم من الحدود الممتدة، وهذه الحدود ليست جغرافيّة فقط بل أمنية بالدرجة الأولى، وليست مدناً وبلدات تتشارك وتتشابه، بل هناك تنظيم «داعش» الذي يتسع خطره مع كل تهديد/حدث/ أمني يقع سواء في سوريا أو العراق أو على الحدود.. وإذا كانت المخاوف تتركز على سوريا (ومن سوريا) فلأن أحداثاً مثل أحداث السويداء لا تقع بالمصادفة، لها بصمة إقليمية واضحة، والحديث هنا عن إسرائيل بشكل أساسي ومخططاتها القائمة على تغيير بنية الجنوب السوري الجغرافية والأمنية، وبما ينعكس بصورة خطرة على دول الجوار، العراق، الأردن، لبنان، الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولبنان، وحتى على جوار الجوار، أي الإقليم، العربي منه وغير العربي.
لذلك هناك حركة دبلوماسية نشطة لا تتوقف، فبعد تحقيق اتفاق وقف إطلاق النار تتركز هذه الحركة على تثبيت الاتفاق، والعمل على منع تجدد الاشتباكات مرة أخرى، لكن المخاوف تبقى قائمة، خصوصاً مع الضخ الإعلامي الهائل حولها، ومع استشراس حملات التضليل على المنصات ووسائل التواصل الاجتماعي.
العراق حريص على استقرار سوريا، وفي إطار مساعيه لفتح صفحة جديدة انتقل خلال المرحلة الماضية من دائرة التردد الحذر (وكان لها مبرراتها) إلى دائرة الدعم المباشر، وهو ما كان في المساعدة التي قدمها للسيطرة على الحرائق التي اندلعت في مناطق الساحل.
وكان العراق أصدر مبكراً بيان دعم لسوريا ووحدة وسلامة أراضيها (الثلاثاء الماضي)، مؤكداً «رفضه لأي انتهاك يمس سيادتها أو يعرّض أمن شعبها للخطر» مع إدانة التدخلات الإسرائيلية المتكررة «والتي تمثل انتهاكاً صارخاً لسيادة سوريا، وتهديداً لاستقرار المنطقة».
أكثر ما يخشاه العراق أن تنعكس التوترات الداخلية على الحدود وأمنها فتصبح أكثر هشاشة بمواجهة التنظيمات المسلحة وعلى رأسها داعش، وفي العراق يتحدثون عن ضرورة إقامة غرف أمنية مشتركة، سواء مع سوريا، أو أوسع باتجاه تركيا وروسيا، والأردن ولبنان. صحيح أن العراق يجد نفسه (كما غيره من دول الجوار) غير قادر على التدخل بصورة مباشرة لكنه في الوقت ذاته لا يستطيع الوقوف دون عمل أي شيء، فإذا ما كان المخطط يستهدف سوريا اليوم بمزيد من التوتير والتأزيم لأهداف معروفة فإن المستهدف التالي سيكون العراق، على قاعدة عزل ومحاصرة إيران.
لذلك من مصلحة العراق والجوار أن تكون سوريا آمنة مستقرة، وموحدة.. والعين اليوم على السويداء تترقب كل صغيرة وكبيرة، وكل ثغرة قد تنفتح لتعيد تجديد الاشتباكات، وتجديد المخاوف. هناك تيار واسع في الجوار يعتقد أن مسألة السويداء لم تنتهِ بعد، وأنها تختلف عن سابقاتها من الأحداث، بفعل العامل الإسرائيلي ربطاً بحملات التجييش والتحريض المنظمة والعلنية بصورتها الفجة/الوقحة، وهو ما يدفعنا باتجاه ذروة المخاوف من أن ما يُحضر لسوريا من بوابة السويداء خطير جداً، وأن ما يجري في السويداء (إذا ما تجددت الاشتباكات مرة أخرى) لن يبقى في السويداء، وأن على دول الجوار البقاء في حالة تأهب استعداداً لجميع السيناريوهات.
أو ربما عليها العمل بصورة مكثفة أكبر لاحتواء التداعيات إذا ما أرادت لنفسها النجاة من عاصفة الخرائط الجديدة التي يجري رسمها في الغرف المغلقة.
كاتب وأكاديمي عراقي

الوسوم:
Leave a Comment
آخر الأخبار