العراق يُفعّل مقاربة جديدة لتنظيم العلاقات مع سوريا.. حكومة السوداني اختارت الشابندر ‏للمهمة الشاقة ‏

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

ما بين سوريا والعراق، تأخذ زيارة السياسي العراقي عزت الشابندر إلى دمشق «الاثنين ‏الماضي» ولقاؤه الرئيس أحمد الشرع، أبعاداً مختلفة، عما كانت عليه جميع الزيارات واللقاءات ‏السابقة ما بين الجانبين. يجري التركيز بشكل أساسي على أن الشابندر ليس مبعوثاً رسمياً وإنما ‏هو مبعوث خاص لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تم اختياره لموقعه على الساحة ‏السياسية العراقية من جهة، ولمعرفته الشخصية بالرئيس الشرع، حيث يقول الشابندر إن علاقة ‌‏«جيران» جمعته مع الرئيس الشرع وعائلته، عندما كان يقطن في حي المزة/دمشق، وبالتالي ‏فهو يعرف الرئيس الشرع عن قرب منذ كان في الـ13 من عمره، كما صرح الشابندر غير ‏مرة، مُشيداً بشخصية الرئيس الشرع وأخلاقه و«تميزه بين أقرانه». ‏
‏«ويقول الشابندر أنه كان أول من زار سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد مباشرة، والتقى ‏الرئيس الشرع ثلاث مرات قبل أن يلتقيه أي مسؤول عراقي».‏

اختيار الشابندر – السياسي من خارج الدائرة الدبلوماسية الرسمية – لزيارة دمشق واللقاء مع ‏الشرع يمثل اعتماد حكومة السوداني مقاربة جديدة مختلفة لتنظيم العلاقات في ظل سلسلة ‏تطورات مفصلية شهدتها الساحة السورية خلال شهر مضى

لذلك هنا اتفاق على نطاق واسع أن اختيار الشابندر كان اختياراً جيداً باعتباره الشخص المناسب ‏للمهمة الأكثر إلحاحاً وأهمية بالنسبة للعراق ولإعادة تشكيل العلاقات مع سوريا الجديدة، في ظل ‏تحولات إقليمية متسارعة تتقاطع فيها ملفات الأمن واللاجئين ومسألة ضبط الحدود.‏

‏- لماذا الشابندر؟

والأهم أيضاً، أن زيارة الشابندر كسرت حالة جمود دخلت فيها مساعي التقارب، منذ انعقاد ‏القمة العربية في بغداد 17 أيار الماضي، واعتذار الرئيس الشرع عن حضورها، مُوفِداً وزير ‏الخارجية أسعد الشيباني ممثلاً لسوريا، حينها بدا أن مساعي التقارب شهدت انتكاسة عميقة ‏أعادتها إلى المربع الأول، وبالتالي هناك حاجة لبداية مختلفة «مقاربة جديدة» تأخذ بالاعتبار ‏سلسلة تطورات مفصلية فيما يخص سوريا «وتنعكس على العراق حكماً» أبرزها دخول عملية ‏رفع العقوبات حيز التنفيذ، وتدفق الاستثمارات «بحيث بدا العراق خارج الخريطة الاقتصادية ‏التي تتشكل في سوريا وتالياً لا بد من التحرك» ثم عملية إعادة الانتشار التي تنفذها القوات ‏الأميركية في سوريا ومن ضمنها سحب جنود وإغلاق قواعد، وما يفرزه ذلك من أوضاع أمنية ‏ستُضاعف من تعقيد المشهد الأمني ما بين سوريا والعراق، لا سيما فيما يتعلق بملفات ‌‏«داعش» ومخيم الهول وتأمين الحدود، حتى أن العراق صرح بضرورة بقاء القوات الأميركية ‏في سوريا لاحتواء التهديدات الأمنية القائمة والتي ستتسع وتتعقد بمجرد خروج القوات الأميركية ‏أو تقليص عديدها.‏
لذلك، فإن لقاء الرئيس الشرع والشابندر كان في جزئه الرئيسي يتركز على الملف الأمني، هذا ‏من جهة.. ومن جهة ثانية فإن مسار استعادة العلاقات لا بد أن يتخذ منعطفاً مختلفاً «إعادة ‏تدوير» في ظل التحالفات والتقاطعات الدولية الجديدة داخل المشهد السوري السياسي ‏والاقتصادي.‏
أما كيف سيتم تدوير هذا المنعطف وإيصاله إلى النتائج المطلوبة فهذا ما يحتاج إلى وقت ليس ‏بالقصير ليتم الاتفاق عليه، أو لنعرف بعض ملامحه، علماً أن هذا المنعطف هو أكثر أهمية ‏للعراق منه إلى سوريا، حيث يسعى العراق إلى ألا تدفعه التطورات المتلاحقة على الساحة ‏السورية إلى خارجها، أو أن يكون على هامشها. صحيح أن الملف الأمني مهم وله أولوية كبيرة ‏إلا أن الملف الاقتصادي والتعاون التجاري مهم بنفس المستوى، فلا يُعقل أن يكون العراق ‏خارج الخريطة الاقتصادية التي تتشكل في سوريا، وأن تقتصر العلاقات على قضايا التنسيق ‏الأمني فقط .‏

حكومة السوداني لا تستهين بما يتوجب عليها فعله وكيف تفعله وأي شخصيات تختار لفعله ‏وهي المحكومة بالكثير جداً من الاستقطابات الداخلية التي تتخذ صورة حادة/عنيفة عندما يتعلق ‏الأمر بسوريا بفعل العامل الإيراني كما هو معروف

‏- العامل الإيراني مرة أخرى

من هنا فإن الجانب العراقي، أي حكومة السوداني، لا يستهين بما يتوجب عليه فعله، وكيف ‏يفعله، وأي شخصيات يختار لأداء المهمة، وخصوصاً أن حكومة السوداني محكومة بالكثير جداً ‏من الاستقطابات السياسية/الدينية الداخلية، التي تتخذ صورة حادة جداً عندما يتعلق الأمر بسوريا ‌‏(بفعل العامل الإيراني كما هو معروف). لذلك فإن زيارة الشابندر ولقاءه الرئيس الشرع كانت ‏وما زالت ضمن هذه الاستقطابات التي اتسعت حدتها في ظل المشهد الانتخابي الحالي، بل إن ‏الزيارة واللقاء دخلا ضمن القضايا الانتخابية الأكثر حساسية على الساحة العراقية (علماً أن ‏الانتخابات البرلمانية لن تجري قبل شهر تشرين الثاني المقبل) أي أن الوقت عملياً لا يزال ‏مبكراً، لكن مع اتجاه الأطراف المعنية إلى مراكمة الأوراق الانتخابية، فإن كل ما يتعلق بسوريا ‏سيتحول إلى قضية انتخابية في الداخل العراقي.‏
بكل الأحوال، لم يكن هناك تفاصيل بارزه مُعلنة حول نتائج زيارة الشابندر إلى سوريا ولقائه ‏الرئيس الشرع. طيلة اليومين الماضيين اللذين تليا الزيارة واللقاء اكتفت الرئاسة السورية ببيان ‏مقتضب، تضمن خبراً عن الزيارة واللقاء، فيما الساحة العراقية ضجت بالتحليلات والتوقعات، ‏خصوصاً بعد تصريحات الشابندر أمس الأربعاء التي وصف فيها اللقاء مع الرئيس الشرع بأنه ‌‏«كان مفيداً جداً من أجل بناء علاقات اقتصادية وسياسية واجتماعية» وقال:«الزيارة كانت ‏للتباحث في أمور تسهم في تقريب وجهات النظر وتمتين العلاقات بين البلدين الشقيقين».‏

‏- تصريحات الشابندر

وتطرق الشابندر إلى مسألة زيارة الرئيس الشرع للعراق واعتذاره عن حضور أعمال القمة ‏العربية، مشيراً إلى أن أسباب عدم حضور الرئيس الشرع إلى العراق ما زالت قائمة، وهي ‏متعلقة ببعض الأطراف والتهديدات التي كانوا يطلقونها، وتساءل الشابندر عما تريده هذه ‏الأطراف الرافضة لتنظيم العلاقات مع سوريا، وقال: ماذا ينفع هذا الرفض والجميع في الغرب ‏والشرق يُقبل على إقامة علاقات مع سوريا.‏

الشابندر ينصح جميع الأطراف العراقية بضرورة التخلي عن ردود الفعل في إدارة العلاقات ‏الخارجية واعتماد رؤية استراتيجية تعتمد على المصالح المشتركة للعراق بعيداً عن المواقف ‏الشخصية أو الأيديولوجية

لكنه بالمقابل لم يستبعد زيارة الرئيس الشرع للعراق «من أجل بناء علاقات تكاملية سياسية ‏واقتصادية وأمنية» لأن «الحاجة باتت ملحة وتتطلب تنظيم العلاقات بين البلدين».‏
وأكد الشابندر أن كل من السوداني والشرع يتطلعان لبناء علاقات متينة من أجل مصلحة البلدين ‏والشعبين، معتبراً أن العوائق التي تواجه الشرع من أجل بناء علاقات طبيعية مع العراق هي ‏ذاتها التي تواجه السوداني.‏
وخلص الشابندر إلى القول إنه «وحسب ما شاهدت وعشته في سوريا اليوم، فأنا أتوقع أن ‏سوريا ذاهبة إلى تحقيق إنجازات مهمة، ذاهبة إلى الخير».‏
وفي تصريحات سابقة بارزة، دعا الشابندر العراقيين «إلى ضرورة التخلي عن ردود الفعل في ‏إدارة العلاقات الخارجية» داعياً إلى «اعتماد رؤية استراتيجية تعتمد على المصالح المشتركة ‏للعراق بعيداً عن المواقف الشخصية أو الأيديولوجية».‏

‏- الطريق ما تزال غير سالكة

من هذه التصريحات والمواقف التي يتبناها الشابندر، فإن أغلب المحللين ركز على اختياره من ‏قبل السوداني لزيارة دمشق والتباحث مع الرئيس الشرع، على أمل تسريع عجلة تنظيم العلاقات ‏مع سوريا، فهل ينجح الشابندر أو على الأقل هل يكون بمقدوره وضع عجلة العلاقات على ‏سكتها الصحيحة؟
الجواب تحمله الأيام المقبلة، وإن كانت أغلب التوقعات لا تبدو متفائلة، فالطريق ما تزال غير ‏سالكة والمهمة شاقة.. جداً.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار