الحرية – مها سلطان:
ما بين سوريا والعراق، تأخذ زيارة السياسي العراقي عزت الشابندر إلى دمشق «الاثنين الماضي» ولقاؤه الرئيس أحمد الشرع، أبعاداً مختلفة، عما كانت عليه جميع الزيارات واللقاءات السابقة ما بين الجانبين. يجري التركيز بشكل أساسي على أن الشابندر ليس مبعوثاً رسمياً وإنما هو مبعوث خاص لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تم اختياره لموقعه على الساحة السياسية العراقية من جهة، ولمعرفته الشخصية بالرئيس الشرع، حيث يقول الشابندر إن علاقة «جيران» جمعته مع الرئيس الشرع وعائلته، عندما كان يقطن في حي المزة/دمشق، وبالتالي فهو يعرف الرئيس الشرع عن قرب منذ كان في الـ13 من عمره، كما صرح الشابندر غير مرة، مُشيداً بشخصية الرئيس الشرع وأخلاقه و«تميزه بين أقرانه».
«ويقول الشابندر أنه كان أول من زار سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد مباشرة، والتقى الرئيس الشرع ثلاث مرات قبل أن يلتقيه أي مسؤول عراقي».
اختيار الشابندر – السياسي من خارج الدائرة الدبلوماسية الرسمية – لزيارة دمشق واللقاء مع الشرع يمثل اعتماد حكومة السوداني مقاربة جديدة مختلفة لتنظيم العلاقات في ظل سلسلة تطورات مفصلية شهدتها الساحة السورية خلال شهر مضى
لذلك هنا اتفاق على نطاق واسع أن اختيار الشابندر كان اختياراً جيداً باعتباره الشخص المناسب للمهمة الأكثر إلحاحاً وأهمية بالنسبة للعراق ولإعادة تشكيل العلاقات مع سوريا الجديدة، في ظل تحولات إقليمية متسارعة تتقاطع فيها ملفات الأمن واللاجئين ومسألة ضبط الحدود.
- لماذا الشابندر؟
والأهم أيضاً، أن زيارة الشابندر كسرت حالة جمود دخلت فيها مساعي التقارب، منذ انعقاد القمة العربية في بغداد 17 أيار الماضي، واعتذار الرئيس الشرع عن حضورها، مُوفِداً وزير الخارجية أسعد الشيباني ممثلاً لسوريا، حينها بدا أن مساعي التقارب شهدت انتكاسة عميقة أعادتها إلى المربع الأول، وبالتالي هناك حاجة لبداية مختلفة «مقاربة جديدة» تأخذ بالاعتبار سلسلة تطورات مفصلية فيما يخص سوريا «وتنعكس على العراق حكماً» أبرزها دخول عملية رفع العقوبات حيز التنفيذ، وتدفق الاستثمارات «بحيث بدا العراق خارج الخريطة الاقتصادية التي تتشكل في سوريا وتالياً لا بد من التحرك» ثم عملية إعادة الانتشار التي تنفذها القوات الأميركية في سوريا ومن ضمنها سحب جنود وإغلاق قواعد، وما يفرزه ذلك من أوضاع أمنية ستُضاعف من تعقيد المشهد الأمني ما بين سوريا والعراق، لا سيما فيما يتعلق بملفات «داعش» ومخيم الهول وتأمين الحدود، حتى أن العراق صرح بضرورة بقاء القوات الأميركية في سوريا لاحتواء التهديدات الأمنية القائمة والتي ستتسع وتتعقد بمجرد خروج القوات الأميركية أو تقليص عديدها.
لذلك، فإن لقاء الرئيس الشرع والشابندر كان في جزئه الرئيسي يتركز على الملف الأمني، هذا من جهة.. ومن جهة ثانية فإن مسار استعادة العلاقات لا بد أن يتخذ منعطفاً مختلفاً «إعادة تدوير» في ظل التحالفات والتقاطعات الدولية الجديدة داخل المشهد السوري السياسي والاقتصادي.
أما كيف سيتم تدوير هذا المنعطف وإيصاله إلى النتائج المطلوبة فهذا ما يحتاج إلى وقت ليس بالقصير ليتم الاتفاق عليه، أو لنعرف بعض ملامحه، علماً أن هذا المنعطف هو أكثر أهمية للعراق منه إلى سوريا، حيث يسعى العراق إلى ألا تدفعه التطورات المتلاحقة على الساحة السورية إلى خارجها، أو أن يكون على هامشها. صحيح أن الملف الأمني مهم وله أولوية كبيرة إلا أن الملف الاقتصادي والتعاون التجاري مهم بنفس المستوى، فلا يُعقل أن يكون العراق خارج الخريطة الاقتصادية التي تتشكل في سوريا، وأن تقتصر العلاقات على قضايا التنسيق الأمني فقط .
حكومة السوداني لا تستهين بما يتوجب عليها فعله وكيف تفعله وأي شخصيات تختار لفعله وهي المحكومة بالكثير جداً من الاستقطابات الداخلية التي تتخذ صورة حادة/عنيفة عندما يتعلق الأمر بسوريا بفعل العامل الإيراني كما هو معروف
- العامل الإيراني مرة أخرى
من هنا فإن الجانب العراقي، أي حكومة السوداني، لا يستهين بما يتوجب عليه فعله، وكيف يفعله، وأي شخصيات يختار لأداء المهمة، وخصوصاً أن حكومة السوداني محكومة بالكثير جداً من الاستقطابات السياسية/الدينية الداخلية، التي تتخذ صورة حادة جداً عندما يتعلق الأمر بسوريا (بفعل العامل الإيراني كما هو معروف). لذلك فإن زيارة الشابندر ولقاءه الرئيس الشرع كانت وما زالت ضمن هذه الاستقطابات التي اتسعت حدتها في ظل المشهد الانتخابي الحالي، بل إن الزيارة واللقاء دخلا ضمن القضايا الانتخابية الأكثر حساسية على الساحة العراقية (علماً أن الانتخابات البرلمانية لن تجري قبل شهر تشرين الثاني المقبل) أي أن الوقت عملياً لا يزال مبكراً، لكن مع اتجاه الأطراف المعنية إلى مراكمة الأوراق الانتخابية، فإن كل ما يتعلق بسوريا سيتحول إلى قضية انتخابية في الداخل العراقي.
بكل الأحوال، لم يكن هناك تفاصيل بارزه مُعلنة حول نتائج زيارة الشابندر إلى سوريا ولقائه الرئيس الشرع. طيلة اليومين الماضيين اللذين تليا الزيارة واللقاء اكتفت الرئاسة السورية ببيان مقتضب، تضمن خبراً عن الزيارة واللقاء، فيما الساحة العراقية ضجت بالتحليلات والتوقعات، خصوصاً بعد تصريحات الشابندر أمس الأربعاء التي وصف فيها اللقاء مع الرئيس الشرع بأنه «كان مفيداً جداً من أجل بناء علاقات اقتصادية وسياسية واجتماعية» وقال:«الزيارة كانت للتباحث في أمور تسهم في تقريب وجهات النظر وتمتين العلاقات بين البلدين الشقيقين».
- تصريحات الشابندر
وتطرق الشابندر إلى مسألة زيارة الرئيس الشرع للعراق واعتذاره عن حضور أعمال القمة العربية، مشيراً إلى أن أسباب عدم حضور الرئيس الشرع إلى العراق ما زالت قائمة، وهي متعلقة ببعض الأطراف والتهديدات التي كانوا يطلقونها، وتساءل الشابندر عما تريده هذه الأطراف الرافضة لتنظيم العلاقات مع سوريا، وقال: ماذا ينفع هذا الرفض والجميع في الغرب والشرق يُقبل على إقامة علاقات مع سوريا.
الشابندر ينصح جميع الأطراف العراقية بضرورة التخلي عن ردود الفعل في إدارة العلاقات الخارجية واعتماد رؤية استراتيجية تعتمد على المصالح المشتركة للعراق بعيداً عن المواقف الشخصية أو الأيديولوجية
لكنه بالمقابل لم يستبعد زيارة الرئيس الشرع للعراق «من أجل بناء علاقات تكاملية سياسية واقتصادية وأمنية» لأن «الحاجة باتت ملحة وتتطلب تنظيم العلاقات بين البلدين».
وأكد الشابندر أن كل من السوداني والشرع يتطلعان لبناء علاقات متينة من أجل مصلحة البلدين والشعبين، معتبراً أن العوائق التي تواجه الشرع من أجل بناء علاقات طبيعية مع العراق هي ذاتها التي تواجه السوداني.
وخلص الشابندر إلى القول إنه «وحسب ما شاهدت وعشته في سوريا اليوم، فأنا أتوقع أن سوريا ذاهبة إلى تحقيق إنجازات مهمة، ذاهبة إلى الخير».
وفي تصريحات سابقة بارزة، دعا الشابندر العراقيين «إلى ضرورة التخلي عن ردود الفعل في إدارة العلاقات الخارجية» داعياً إلى «اعتماد رؤية استراتيجية تعتمد على المصالح المشتركة للعراق بعيداً عن المواقف الشخصية أو الأيديولوجية».
- الطريق ما تزال غير سالكة
من هذه التصريحات والمواقف التي يتبناها الشابندر، فإن أغلب المحللين ركز على اختياره من قبل السوداني لزيارة دمشق والتباحث مع الرئيس الشرع، على أمل تسريع عجلة تنظيم العلاقات مع سوريا، فهل ينجح الشابندر أو على الأقل هل يكون بمقدوره وضع عجلة العلاقات على سكتها الصحيحة؟
الجواب تحمله الأيام المقبلة، وإن كانت أغلب التوقعات لا تبدو متفائلة، فالطريق ما تزال غير سالكة والمهمة شاقة.. جداً.